ثقافة

إفريقش.. الأسطورة التي حملت اسم قارة

محمد عبد الرحمن ولد عبد الله

كاتب صحفي ، أنواكشوط

 

في كتب التراث العربي القديمة، حين تفتح صفحاتها على أخبار الملوك التبابعة وحروبهم البعيدة، تطالعك شخصية غامضة اسمها إفريقش بن قيس بن صيفي الحميري، ملكٌ يمنيّ قيل إنه جاب الآفاق، وقاد جيوشًا حتى بلغت تخوم البحر الأبيض المتوسط، فأقام حيث تُعرف اليوم بتونس، وأطلق على الأرض اسمًا صار بعد قرون اسم قارةٍ بأكملها: “إفريقيا”.

تقول الأساطير إن إفريقش كان من ملوك حمير العظام، خرج من اليمن في حملةٍ كبرى إلى بلاد البربر، فلما بلغها سمع لغتهم العجيبة فقال: ما أكثر بربرتهم!، فسمّاهم البربر، وسُمّيت الأرض التي استوطنها باسمه.
ورغم الطابع القصصي لهذه الرواية، فقد وجدت طريقها إلى كتب مؤرخين كبار مثل ابن خلدون والهمداني، الذين أوردوها باعتبارها من مرويات العرب عن أصول الشعوب والأمكنة.

لكن المؤرخين المحدثين ينظرون إلى هذه القصة بعين التحفّظ، ويرون أن اسم “إفريقيا” أقدم من التاريخ العربي، بل ومن الممالك الحميرية نفسها.
فالمصادر الرومانية واللاتينية تشير إلى أن الاسم مأخوذ من قبائل محلية كانت تقطن قرب قرطاج، تُعرف باسم Afri، وهي التي أعطت الإقليم اسمه: Africa terra، أي “أرض الأفريين”.
ومع مرور الزمن، انتقل الاسم من رقعة صغيرة على الساحل التونسي إلى القارة كلها، كما انتقلت أسماء كثيرة من ضيق الجغرافيا إلى سعة الخيال.

ومع أن الرواية العلمية تنفي وجود صلة حقيقية بين إفريقش والاسم، إلا أن الأسطورة العربية تظل معبّرة عن نزعة الإنسان لتفسير المجهول وإضفاء المعنى على الجغرافيا.
فالاسم في المخيلة العربية القديمة ليس محايدًا، بل شاهد على حضور العرب في العالم، حتى في تخومٍ لم تطأها أقدامهم بعد.

إفريقش، سواء كان ملكًا حقيقيًا أو رمزًا أسطوريًا، يمثل تلك الرغبة القديمة في أن يكتب اليمنيون والعرب أسماءهم على خرائط الكون، قبل أن يكتبها الجغرافيون بالرومانية أو اللاتينية.
إنه مثالٌ على التقاء الأسطورة بالتاريخ، والخيال بالهوية، في زمنٍ كانت فيه الكلمة تصنع الجغرافيا، والذاكرة تخلق القارة.

زر الذهاب إلى الأعلى