احتجاز الجثث… حين تسقط الإنسانية في دهاليز “الصحة”!
محمدعبدالرحمن ول عبدالله
كاتب صحفي
في زمن يفترض فيه أن تكون الرعاية الصحية حقًا مكفولًا لكل مواطن، لا سلعة تُشترى وتُباع، يقف جثمان سيدة فقيرة محتجزًا داخل ثلاجات المستشفى الوطني بنواكشوط، منذ يومين، ليس لسبب طبي أو قضائي، بل فقط لأن ذويها لم يتمكنوا من دفع فاتورة العلاج كاملة.
جمع أهلها سبعين ألف أوقية قديمة بشق الأنفس، لكن إدارة المستشفى رفضت تسليم الجثمان. رفضت دفنها لأنهم عجزوا عن تسديد مئتين وخمسين ألف أوقية قديمة… وكأن الموتى لا يستحقون الراحة إلا بعد دفع “الضريبة الأخيرة”. أي منطق هذا؟ بل أي سقوط أخلاقي؟!
يا وزيرة الصحة،
هل أصبح دفن موتانا يخضع لمعادلة المال؟ هل وصل بنا الحال إلى احتجاز الأجساد كرهائن في مستشفيات عمومية؟ من الذي قرر أن الفقر جريمة تُلاحق الإنسان حتى بعد الوفاة؟!
ولا تقف المأساة هنا، فقبل أيام فقط، لفظ شاب أنفاسه الأخيرة أمام أحد المستشفيات الأخرى بعد أن رفض الأطباء إدخاله لتلقي العلاج. مات على البوابة، كما تموت الكرامة كل يوم في دهاليز مؤسسات لا تعرف الرحمة.
ما يحدث ليس “سوء تسيير”، ولا “خللًا إداريًا”، بل فضيحة مكتملة الأركان. وصمت الوزارة عن هذه الجرائم تواطؤ مريع لا يمكن غفرانه، خاصة أن هذه الحوادث ليست استثناءات، بل باتت نمطًا متكرّرًا في تعامل المنظومة الصحية مع الفقراء.
أين شعار “الصحة للجميع”؟ أين حق الإنسان في العلاج والكرامة والموت بسلام؟ أي حكومة هذه التي لا تحمي مواطنيها أحياءً، وتُذلّهم في الموة والحياة.!
ما يجري اليوم في بعض مستشفيات موريتانيا لا يمكن تبريره، ولا يجب السكوت عنه. هذه ليست مجرد تجاوزات فردية، بل مؤشر خطير على انهيار منظومة القيم داخل مؤسسة يُفترض أن تكون حامية للضعفاء، لا جزارًا يُذلّهم على فراش المرض والموت.
آن الأوان لمحاسبة المسؤولين، وتطهير وزارة الصحة من العبث والبطش واللاإنسانية.
فالإنسان لا يُقاس بثمن فاتورة… بل بكرامته.
وما لم تفهم الدولة ذلك، فإنها تحكم أرقامًا، لا بشرًا.