الإقالات الأخيرة… خطوة ناقصة في طريق طويل
تحليل إخباري
يبدو أن الإقالات الأخيرة التي أعلنتها الحكومة لم تكن سوى محاولة تجميل لوجه نظامٍ يزداد تشوهًا بفعل الفساد المتغلغل في أوصاله. فالقائمة التي تم تسريحها لا تتجاوز حدود “التضحية الرمزية”، وكأن السلطة أرادت أن تُقنع الرأي العام بأنها تتحرك، دون أن تقترب فعليًا من مراكز القوة الحقيقية التي تدير شبكات الفساد منذ سنوات.
الواقع المرّ يقول إن منظومة الفساد في موريتانيا باتت أعمق من أن تهزّها إقالات شكلية أو بيانات استعراضية. لقد تحوّل الفساد إلى مؤسسة قائمة بذاتها، لها رموزها وحماتها ومصالحها الممتدة داخل الدولة وخارجها. شبكة محكمة تتغذى من المال العام، وتعيد إنتاج نفسها في كل عهدٍ جديد، حتى غدت أقوى من بعض مؤسسات الدولة ذاتها.
أما الرئيس، الذي تعهّد يومًا بأن “لا مفسد سيفلت من العقاب”، فيبدو اليوم عاجزًا عن مواجهة تلك المنظومة التي أوصلته إلى سدة الحكم، أو على الأقل مترددًا في كسر الدائرة التي تحميها. فبدل أن يفتح ملفات الفساد الكبرى التي يعرفها الجميع، اكتفى بمناوشات صغيرة على الهامش، وكأن المطلوب هو إدارة الأزمة لا حلّها.
لقد فُتحت أمام الرئيس فرصتان ثمينتان للإصلاح: الأولى حين استبشر به الناس خيرًا، متطلعين إلى قطيعة حقيقية مع ممارسات الماضي، لكنه لم يفعل. والثانية هي الآن، وسط غضب شعبي واحتقان اجتماعي واقتصادي غير مسبوق، ومع ذلك، ما زال يراهن على سياسة “الترقيع” بدل المواجهة.
إن الفساد في موريتانيا لم يعد ظاهرة إدارية يمكن ضبطها بقرارات فوقية، بل أصبح نظامًا متكاملًا يقوم على الولاءات، والمحسوبية، وتبادل المنافع بين السياسيين ورجال المال، وهو ما يجعل أي إصلاح حقيقي مستحيلًا دون إرادة سياسية حازمة تضع مصلحة الوطن فوق الحسابات الشخصية والقبلية.
ما لم يدرك الرئيس أن المعركة ضد الفساد لا تُكسب بالشعارات، بل بالمواجهة الشجاعة والمحاسبة العلنية، فستظل كل إقالة جديدة مجرد فصل آخر في مسرحية الإصلاح المزيّف… وستبقى منظومة الفساد تضحك في الظل، وتتحكم في مصير وطنٍ يُستنزف كل يوم دون أن يجد من يوقف نزيفه.