التقرير يفضح… والناطق بإسم الحكومة يجمّل!
محمد عبد الرحمن ولد عبد الله
كاتب صحفي ، انواكشوط
في الوقت الذي نطقت فيه محكمة الحسابات بالحقيقة مجلّلة بالأرقام والوثائق، نطق الناطق باسم الحكومة بلسانٍ آخر… لسانٍ يجتهد في تلميع ما لا يُلمَّع، وتبرير ما لا يُبرَّر. كأنّ دوره لم يعد نقل المعلومة، بل تزييف الوعي العام وتلطيف رائحة الفساد التي فاحت حتى وصلت أسماع المانحين وشركاء التنمية.
لقد جاء تقرير محكمة الحسابات كصفعة على وجه منظومةٍ عاشت طويلاً على الكذب الإداري والتقارير المزوّقة. أرقام صادمة عن نهب منظّم، وتلاعبٍ بالمال العام، وتراخٍ مريبٍ في المساءلة. ومع ذلك، اختار هذا المخلوق ،الحسين ولد مدو طريقًا آخر… وسولت له نفسه ،طريق الإنكار، متناسياً أن الصمت أمام الوثيقة القضائية جريمةٌ أخلاقية قبل أن تكون قانونية.
إنّ وظيفة الناطق الرسمي ليست تزيين القبح، ولا تطمين الفاسدين بأنّ “الأمور تحت السيطرة”، بل هي إبلاغ الحقيقة كما هي، بلا رتوش ولا تردّد. وعندما يتحوّل المنبر الحكومي إلى منبرٍ للتبرير، فإنّ أول ضحاياه هي الثقة العامة، وثانيها هي الدولة نفسها التي تتآكل مصداقيتها مع كلّ تصريحٍ يستخفّ بعقول الناس.
القوانين الموريتانية صريحة: تقرير محكمة الحسابات ليس وجهة نظر، بل وثيقة ملزمة تُحال بموجبها المخالفات إلى القضاء، ويُعفى المسؤولون فوراً، كما تنص المواد التنظيمية. لكنّ الحكومة ــ ممثلة في ناطقها ــ اختارت أن تحيد عن هذا المسار، في انحرافٍ دستوريٍ خطير يعكس أزمة وعيٍ مؤسسية، لا مجرد زلة لسانٍ سياسية.
في النهاية، لا أحد يطلب من الناطق أن يكون قاضياً، بل أن يكون ناطقًا باسم الدولة لا باسم المتورطين. فالتاريخ لا يحفظ أصوات الذين برّروا، بل الذين واجهوا الحقيقة حين كانت مكلفة.
فمن ينطق باسم العدالة… حين يصمت القانون؟