العلامة المجاهد: محمد محمود ولد الحاج “أندحمودي”
مسيرة عالم حمل القلم والسيف معًا
محمد عبد الرحمن ولد عبدالله
– صحفي اجتماعي وحقوقي
● عالمٌ ربّاني… وأديبٌ مقاوم
عندما تُذكر أسماء العلماء المجاهدين في موريتانيا، يبرز اسم العلامة محمد محمود ولد الحاج “أندحمودي” الحاجي ، الرجل الذي جمع بين صرامة العلم المحظري، ورهافة الأدب الحساني، وصلابة الموقف في وجه المستعمر.
كان من تلك الشخصيات التي لا تكتفي بالوعظ والتدريس، بل تترجم العلم إلى موقف، والكلمة إلى فعل، والجهاد إلى سلوك يومي ضد الظلم والتغريب.
● النشأة… بين اليُتم والعلم والبيئة المجاهدة
ولد العلامة حوالي 1945م في ضواحي باركيول، المنطقة التي كانت لسنوات طويلة مسرحًا لمعارك المرابطين ضد فرنسا، وموئلًا للعلماء والزهاد والمقاومين.
نشأ يتيم الأب وهو في العاشرة، فتكفل به أخواله الجكنيين؛ أهل العلم والسيادة والشجاعة.
في المحظرة، حفظ القرآن، وتعلّم النحو والفقه والأصول والعقيدة والسيرة، وأظهر نبوغًا مبكرًا في الحفظ والبلاغة، مع ميل واضح نحو الأدب العربي شعرًا ونثرًا.
● المربّي المجدّد… محاظر متنقلة وطلابٌ من كل الجهات
سرعان ما انتقل من مقاعد الطلب إلى مجالس التدريس، فأسس محاظر متنقلة يقصده الطلبة من مختلف المناطق.
كان منهجه التربوي يقوم على:
- الصرامة في المقررات
- الرفق في التعامل
- الرسوخ في العلم
- والاهتمام بمصالح الناس وخدمتهم
فنشأ على يده جيل كامل من طلاب الشريعة واللغة.
● حين حمل العلماء السلاح…
“أندحمودي” المقاوم
لم يكن العلامة من أولئك الذين يعتزلون السياسة أو يتعاملون مع إدارة المستعمر.
بل كان صوتًا جهوريًا في صفوف المقاومة الثقافية والعسكرية، حيث:
- دعا الناس إلى مقاطعة الإدارة الفرنسية.
- حرّض على الصمود الديني واللغوي.
- دعم المقاومين علميًا وروحيًا، وشارك في اتصالات وتنسيقات بالغة الأهمية لتوفير السلاح ونقله للمقاومة.
- عاش عشرين سنة متنقلا بين مناطق الوطن بهدف التنسيق والإسناد خدمة للمقاومة.
وقد مكث أشهرًا في اصمارة حيث شارك في التحضير لمؤتمر “لركاب” التاريخي (30 مارس 1906) الذي دعا إليه الشيخ ماء العينين لتوحيد القبائل ضد فرنسا.
شارك وفد أهل سيدي محمود في المؤتمر ببنادقهم وكتبهم، إشارة إلى أنهم قبيلة علم وجهاد معًا، وكان العلامة محمد محمود ولد الحاج عضوًا في لجنة التنسيق التي ضمت ممثلين عن ثماني قبائل كبرى بالتسيق مع الشيخ ماء العينين.وهي :
إيدوعيش، أهل سيدي محمود، أولاد الناصر، تجكانت، لقلال، مشظوف، إيديشلي، أولاد داوود.
ظل يتنقل بين أدرار وتيرس وتكانت في إطار مهامه الدعوية والجهادية، إلى أن توفي في تكانت حوالي سنة 1925م.
● أديبٌ وشاعر… يكتب بروح المجاهد
لم يكن العلم والجهاد وحدهما ما ميّز شخصية العلامة “أندحمودي”، بل كان أيضًا شاعرًا وأديبًا.
كتب في:
- المديح النبوي بروح صوفية مشرقة
- التحريض على الجهاد
- الحكمة والزهد والرثاء
ومن شعره في الدعوة إلى مواجهة المستعمر:
إن لم نقم لله في وجه العِدا
فالموت أولى من حياةٍ في رَدىقوموا فقد طال السُّرى والليلُ لا
يُمحى ظلامُه إلا بالفِدى
● “الطيرش مر”… جواد أصيل تحوّل إلى أسطورة موسيقية
من الطرائف الخالدة في حياة العلامة، قصة جواده العربي الأصيل “الطيرش” الذي اشتراه من صديقه محمد ولد الركاد الكنتي، والذي أصبح لاحقًا «أسطورة أزوان».
ضل الجواد طريقه يومًا في جنوب تكانت، فخرج العمال للبحث عنه، وعادوا به وهم يغنون فرحا :
«الّا بعدن الطيرش مر… الّا بعدن الطيرش مر»
وكان حاضرًا يومها الفنان الكبير سيدي ولد دندني، فعزف اللحن فورًا، فتحوّل إلى واحد من أشهر أشوار “اللين – الجانبة البيظة” في التراث الحساني، وتغنّى به الفنانون والفنانات، خاصة من أسرة أهل أب، حتى يومنا هذا.
وقد ألهم الجواد شعراء كُثر، حتى إن الأمير عبد الرحمن ولد سويد أحمد “الدان” سمّى بندقيته الخاصة “الطيرش” حبًا للجواد، ودوّن عنه كافًا طريفًا.
● إرثٌ ممتد… عالمٌ يُذكّر بأن الجهاد علمٌ قبل أن يكون سلاحًا
خلّف العلامة محمد محمود ولد الحاج إرثًا متينًا:
- محظرة ذات منهج صارم
- جيلًا من العلماء والفقهاء
- ذاكرة جهادية تربط بين العلم والموقف
- نصوصًا أدبية وحسانية خالدة
- وسيرة تذكّر بأن العالم الحقيقي لا ينعزل، بل ينحاز للناس وللحق
رحم الله العلامة المجاهد: محمد محمود ولد الحاج، وأسكنه أعلى الجنان.







