ثقافة

الهجرة الهلالية إلى المغرب العربي: حين تغيّر وجه التاريخ

محمدعبد الرحمن ول عبدالله

كاتب ، وصحفي إجتماعي

 

تُعدّ الهجرة الهلالية إلى المغرب العربي في القرن الحادي عشر واحدة من أكبر التحولات السكانية والسياسية في تاريخ المنطقة. فالمغرب – الذي عرف الحضور العربي قبلها – اكتسب مع الهلاليين قوة بشرية هائلة، وعمقاً استراتيجياً، وجيشاً قبلياً أصبح لاعباً أساسياً على مدى قرون.

فيما يلي ملخص صحفي لأبرز ملامح هذه الهجرة الكبرى:

1. قحط نجد وبداية الرحلة

في القرن الحادي عشر ضرب القحط مناطق نجد، موطن قبيلتي بني هلال وبني سليم، فبدأت واحدة من أعظم الهجرات في التاريخ العربي. رحلت القبائل شرقاً وغرباً بحثاً عن حياة جديدة، قبل أن يستقر بها المصير في بلاد المغرب.

2. الطريق إلى العراق المسدود

توجّه الهلاليون أولاً نحو العراق، لكن الخلافة العباسية منعت دخولهم حفاظاً على توازن القبائل، ولعدم ثقتها بهم بعد مشاركتهم في ثورات القرامطة. المفارقة أن العباسيين كانت لهم روابط قديمة مع بني هلال، إذ كانت لبابة الكبرى الهلالية جدة خلفائهم.

3. الوصول إلى مصر وتحول العلاقة

اتجهت القبائل إلى مصر الفاطمية، واستقرت في صعيدها. لكن السلطات الفاطمية سرعان ما شعرت بالقلق من ثقلهم العددي ومذهبهم السني المخالف للدولة الإسماعيلية، فطوقت تجمعاتهم بالجيش، رغم أن الهلاليين سبق أن تحالفوا معها.

4. قرار عبيدي بتوجيه العاصفة نحو إفريقية

في سنة 1049 أعلن المعز بن باديس الزيري في تونس قطع الخطبة للفاطميين واعتماد المذهب السني، فوجد الوزير الفاطمي أبو محمد اليازوري الحل: توجيه القبائل الهلالية نحو إفريقية لضرب خصمين بيد واحدة. وهكذا بدأت الهجرة المنظمة سنة 1050.

5. موجة بشرية هائلة

يصف المؤرخون أعداد الهلاليين بأنها تجاوزت المليون. يذكر القيرواني أنهم بلغوا مليوناً ونصف، بينما يقدّر مبارك الميلي عددهم بمليون، بينهم خمسون ألف مقاتل. وشبّههم ابن خلدون بـ“الجراد المنتشر”.

6. المغرب العربي… عرب قبل بني هلال

لم يكن المغرب خالياً من العرب قبل بني هلال؛ فقد جاءته قبائل عربية مع الفتح الإسلامي، ثم نقل الخلفاء العباسيون قبائل كبرى مثل تميم وربيعة. جاءت الهجرة الهلالية لتضيف كتلة بشرية عربية جديدة أكثر تنظيماً وقوة.

7. ثلاث دول مغاربية تتقاطع على طريق الهجرة

عند وصول الهلاليين، كان المغرب العربي موزعاً بين الزيريين في تونس وليبيا، الحماديين في الجزائر، والمرابطين في المغرب الأقصى، وجميعها تخطب للخلافة العباسية.

8. تقارب ثم صدام

بدأت العلاقة بين المعز بن باديس والهلاليين ودية. سمح لهم بالبقاء في ليبيا وتزوّج أحد قادتهم مؤنس الصنبري من ابنته. لكن دخول القبائل أراضي تونس فجّر التوتر.

9. معركة جندران… وانهيار جيش المعز

عام 1052 وقعت أولى المعارك. رغم تفوق جيش المعز العددي، انهارت صفوفه بانسحاب البربر المتعاطفين مع الإسماعيلية، ثم انسحاب العرب المتعاطفين مع الهلاليين، ليبقى مع المعز عبيده فقط. هُزم المعز، وتوالت هزائمه لاحقاً.

10. تميم الزيري… استخدام العرب بدل محاربتهم

بعد موت المعز وانتقال السلطة لابنه تميم، تغيّر الموقف. أدخل الهلاليين في الجيش، وأسند إليهم حكم المدن، واعتمد عليهم في صد الهجوم الحمادي سنة 1065، مانحاً لهم كل الغنائم بعد النصر.

11. الانتشار في الجزائر والمغرب الأقصى

بعد صلح 1067 تمددت القبائل الهلالية نحو الجزائر، ثم المغرب الأقصى. استعانت بها دول المغرب المتعاقبة – المرابطون، الموحدون، المرينيون، الزيانيون، الحفصيون – في الجباية وحماية الطرق ومحاربة الأعداء.

12. الهلاليون في الأندلس

كان لهم حضور لافت في معركة الأرك سنة 1195، حين استعان بهم السلطان يعقوب المنصور الموحدي بقيادة جرمون بن رياح. ويذكر ابن خلدون أن الموحدين ظلوا يستنفرونهم للجهاد في الأندلس.

13. عمران جديد للمغرب العربي

ساهمت القبائل الهلالية في استصلاح الأراضي الزراعية، وعمّرت المناطق الخالية بين المدن، فازدادت الكثافة السكانية، وأصبح للمغرب عمق استراتيجي كبير يمتد بعيداً عن السواحل المتوسطية.

14. السيرة الهلالية… من التاريخ إلى الأسطورة

تحولت هذه الهجرة إلى “السيرة الهلالية”، إحدى أكبر السير الشعبية العربية، بأبطالها: أبو زيد الهلالي، وذياب بن غانم، وحسن الهلالي، والجازية. ومع مرور الزمن دخل الخيال الشعبي على الرواية، لكنها بقيت مرجعاً عربياً في الفروسية واللغة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى