مقالات

حين تتشابه الوعود .. يزداد، المساكين على قارعة الطريق!

محمد عبد الرحمن ولد عبد الله
كاتب صحفي – نواكشوط

عندما سمعت الرئيس يقول بكل حزم: «لن يفلت أي مفسد من العقاب، ولن نتراخى في ذلك!»، شعرت للحظة أنَّ موريتانيا على وشك الدخول في عصرٍ ذهبيٍّ من النزاهة والعدل… لكن قبل أن يكتمل التصفيق في رأسي، تذكّرت وعدًا آخر، كان قبل سنوات، بصوتٍ دافئٍ لا يقلّ حماسًا: «لن أترك أحدًا على قارعة الطريق».

واليوم، بعد مرور الزمن وتغيّر الخطابات، أرى أن الفاسدين ما زالوا يمرّون بسياراتهم الفاخرة على قارعة الطريق نفسها… يلوّحون بأيديهم للفقراء الذين تُركوا هناك منذ الوعود الأولى!

يبدو أن عبارة «لن يفلت أي مفسد من العقاب» لا تشمل إلا صغار المفسدين، أولئك الذين سرقوا خروفًا من مشروعٍ زراعي أو باعوا بضع أطنان من السمك قبل التوقيع. أمّا الكبار، فهم في مأمنٍ بفضل الاحترام المتبادل بين المفسد والسلطة!
فالتحقيق معهم مؤجلٌ لحين إشعارٍ آخر، وملفاتهم محفوظة في أدراجٍ تنتظر موسم “المراجعة السياسية الشاملة” — وهي عادةً المراجعة التي تنتهي بالعفو، أو التعيين من جديد.

وفي المقابل، أولئك الذين وُعِدوا بعدم تركهم على قارعة الطريق، ما زالوا هناك، يبيعون السجائر و”السمك اليابس”، تحت لافتة كبيرة كُتب عليها: «مشروع الحدّ من الفقر»!
منهم من ينتظر أن تمرّ سيارة الدولة لتأخذه إلى عملٍ كريم، لكنها تمرّ بسرعة، لأن السائق في طريقه إلى اجتماعٍ طارئ حول “استراتيجية دمج الفقراء في التنمية المستدامة”.

الفساد في بلادنا يشبه لعبة الكراسي الموسيقية: كلما توقّف اللحن، جلس أحد المفسدين على كرسيٍّ جديد، وتغيّر عنوان الوزارة فقط. أمّا الشعب، فهو الجمهور الذي يُطلب منه أن يصفّق كي لا يُتهم بعدم “تفاؤله بالمسار الإصلاحي”.

والطريف أن أكثر من يصرخون ضد الفساد هم أنفسهم من وُلدوا وترعرعوا في بيئته، وحين تقول لأحدهم: “أين الإصلاح؟”، يجيبك بابتسامةٍ عريضة: “الإصلاح مستمرّ يا أخي، فقط يحتاج إلى الصبر!”
وكأنّ الصبر سياسةٌ عامة، لا فضيلة دينية!
لا أحد يُنكر أن في الخطاب الرئاسي حرارةً وطنية محبّبة، لكن المشكلة أن حرارة الكلام لا تكفي لطهو العدالة. الشعب لا يريد خطبًا حماسية، بل قراراتٍ تحرق أيدي الفاسدين لا أذان المواطنين.
فقد تعبت البلاد من تلك الأغنية القديمة: “العهد الجديد، النهج الجديد، المقاربة الجديدة” — فيما الجديد الوحيد هو طريقة تبرير الفشل.

ربما حان الوقت لأن نسمع وعدًا مختلفًا:
“سنترك الفاسدين على قارعة الطريق… ونأخذ الفقراء إلى مقاعد العدل والكرامة.”
حينها فقط، لن نحتاج إلى التذكير بالعبارات السابقة، لأن الطريق سيكون واحدًا، والعقاب سيصل الجميع بالعدل، لا بالانتقاء.

زر الذهاب إلى الأعلى