أخبار وطنية

الوزيران اللذان لم يزرعا معروفًا في أحد.. ولم يأسف لإقالتهما قريبٌ ولا بعيد

محمد عبد الرحمن ولد عبد الله

كاتب،صحفي ،انواكشوط

 

تُعرّف الوظائف السامية في الدول الحديثة على أنها خدمة عامة، لكنها في واقعنا المحلي كثيرًا ما تتحوّل إلى امتياز خاص، إلى سلّمٍ من المجاملة والمصالح، أكثر مما هي أداة للتنمية والإصلاح.

وما الوزيرَان محمد ولد بلال مسعود وإسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا، سوى نموذجين بارزين لهذا الخلل البنيوي في إدارة الدولة الموريتانية، حيث يُمنح المنصب لا لمن يمتلك الرؤية، بل لمن يتقن الصمت ويتقن لعبة التوازن بين مراكز النفوذ.

كلاهما مرّ من دون أن يترك أثرًا. لم يُسجَّل في عهد أحدهما مشروعٌ أحدث فرقًا، ولا قرارٌ حرّك مياهًا راكدة، ولا إصلاحٌ غيّر واقعًا مأزوماً. كانت وزاراتهما مثل أجهزةٍ تعمل في وضع “الانتظار”، بلا نبض، بلا روح.

لكن القضية ليست في الرجلين فحسب؛ فهما مجرّد وجهين من وجوه أزمةٍ أعمق، أزمة نخبٍ فقدت الحسّ بالمسؤولية العامة، وأدمنت البقاء في منطقة الراحة، تتقن فنَّ الكلام، لكنها تعجز عن الفعل.

لقد كشفت التجربة أن كثيرًا من وزرائنا لا يدخلون التاريخ من باب الإنجاز، بل يغادرونه من نافذة النسيان. يدخلون الحكومة محاطين بالألقاب والتهاني، ويغادرونها محاطين بالصمت، لا أحد يذكرهم، لأنهم ببساطة لم يزرعوا في الناس أثرًا طيبًا.

الوظيفة العمومية في أي دولة هي مرآة لمستوى النخبة فيها، وحين تتحوّل إلى مسابقة في الولاء بدل الكفاءة، يصبح من الطبيعي أن نرى وزراء بلا مشروع، ومسؤولين بلا رؤية، ومناصب تُدار بمنطق “أدِر اليوم وابقَ حتى يملّك النظام”.

لقد آن الأوان لأن نعيد تعريف معنى “الوزير” في وعينا الجمعي. فالوزير ليس موظفًا ساميًا فحسب، بل فاعل سياسي وأخلاقي، يحمل رؤية، ويقود إصلاحًا، ويمثل الدولة في أبهى صورها. ومن لا يمتلك هذه الخصال، فلا فرق بينه وبين مقعدٍ خاوٍ في مجلس الوزراء.

البلدان لا تنهض بالوجوه، بل بالأثر. والتاريخ لا يحفظ أسماء الوزراء الذين لم يفعلوا شيئًا، بل يخلّد أولئك الذين آمنوا أن المنصب ليس وجاهة، بل مسؤولية أمام الله، ثم أمام الناس.

أما من يزرع الجفاء في طريقه، فليتوقّع أن يحصد النسيان بعد رحيله.

 

زر الذهاب إلى الأعلى