خطبة الجمعة: في مرمي السياسة.!
خطبة الجمعة تحت الطلب الحكومي:
عندا يسكت الأئمة عن الفساد ويتحدثون عن السياسة
في بلد تُعد فيه المساجد منابر للتوجيه الروحي والإصلاح المجتمعي، أصبحت خطب الجمعة في موريتانيا تُدار كما تُدار البرامج الحكومية، تُحدَّد مواضيعها من “الأعلى”، وتُعمَّم تعليمات توحيدها كما تُعمَّم خطط التنمية الموسمية.
ففي سابقة أثارت الجدل، دعت وزارة الشؤون الإسلامية إلى توحيد خطبة الجمعة للحديث عن قضاء العطلة الصيفية في الداخل، تحت شعار دعم السياحة الوطنية. طلب يبدو في ظاهره بريئًا، لكنه في جوهره يطرح تساؤلات حادة: هل تحوّلت خطبة الجمعة إلى أداة بيد الحكومة؟ هل أصبحت المواضيع الدينية تُقرَّر وفق رغبات السلطة التنفيذية؟
بين الدين والسياسة.. من يملي على من؟
من حيث المبدأ، يفترض أن تُوجَّه خطبة الجمعة لمعالجة قضايا الأمة الأخلاقية والدينية والاجتماعية، بما يعزز الإيمان والوعي ويقوّي الصلة بين العبد وربه، لا أن تُستخدم كمنصة لترويج المبادرات الحكومية أو تسويق الأفكار الموسمية.
لكن عندما تصبح موضوعات الخطب خاضعة لجدول أعمال الحكومة – من تشجيع التلقيح، إلى محاربة الغلاء، والآن “السياحة الداخلية” – فإننا أمام تحول خطير في وظيفة المسجد، من منبر للحق إلى مكبّر صوت لوزارة الإعلام والسياحة.
أي رسالة تُرسل للناس؟
أن يُطلب من الإمام أن يخطب عن “قضاء العطلة في الداخل” في وقت:
يعاني فيه المواطن من فقر مدقع،
وأسعار النقل والسلع تلتهب،
والبنى التحتية السياحية تكاد تكون معدومة…
فإن هذه الخطبة لن تلامس واقع الناس، ولن تُقنعهم، بل على العكس، ستُزيد من شعورهم بأن منابر الدين أصبحت منفصلة عن همومهم، ومرتبطة فقط برغبات السلطة.
الخطبة ليست نشرة حكومية
الخطبة ليست نشرة أخبار حكومية تُتلى على الناس، ولا منشورًا دعائيًا لتسويق وجهات محلية.
ليس حمالة الأعباء السياسة، ولا أداة لإقناع الناس بمشاريع لا يجدون فيها نفعًا مباشرًا.
والمساجد يجب أن تبقى مستقلة في خطابها، الديني وفق المنهج المالكي. ويجب ان تترك للإمام حرية أختيار مواضيع الساعة بوصفه، ناطقا بضمير الأمة، لا بلسان السلطة.
عندما تصمت الخطبة عن الفساد.. وتنطق بالسياحة!
الخطير في الأمر، أن هذه الدعوات الرسمية لا تأتي لتوحيد الخطبة حين يتعلق الأمر بظواهر الفساد، أو الظلم الاجتماعي، أو غياب العدالة… بل تأتي فقط حين تريد الحكومة تمرير خطابٍ معين، أو إشغال الناس بقضايا جانبية، على حساب قضاياهم الجوهرية.
فأين كانت خطب الجمعة حين ارتفعت الأسعار؟
أين كانت حين غرقت الأحياء الفقيرة؟
أين كانت حين انفجرت فضائح العقار والصفقات؟
بل أين كانت من ملفات الفساد وتجارة السموم من أدوية ومواد مزورة.واين كانت من ملفات المخدرات والحبوب المهلوسة..؟
ولماذا تتحدث الآن عن “قضاء العطلة” بدل أن تتحدث عن حق المواطن في الماء والكهرباء والامن،والعمل والكرامة؟
في الختام: المسجد ليس أداة سلطوية
إن تدخل الحكومة في مضمون خطب الجمعة تحت مبررات “المصلحة العامة” يجب أن يُراجع.
فالمساجد منارات للهداية،والعبادة، لا قاعات لتسويق البرامج.
والأئمة خُلفاء للأنبياء، لا متحدثون رسميون باسم الوزارات.
دعوا المنبر ناطقًا بالحق، لا مروّجًا للقرار.
فالمواطن لا يحتاج إلى خطبة عن العطلة، بل عن الكرامة والعدل ومقاومة الظلم.
محمدعبدالرحمن عبدالله
كاتب صحفي