رحل بصمت… الرائد جوب جبريل أمادو: بطل في الذاكرة، غائب في المراسم
رحل الرائد جوب جبريل أمادو قبل يومين، ومضت وفاته ـ كما مضت حياة الكثير من قدماء المقاتلين ـ بلا تعزيات رسمية، ولا بيانات نعي، ولا حتى إشارة رمزية تليق بضابط شارك في أصعب فترات بناء الجيش الموريتاني، وخاض سنواته الأكثر نزيفاً في حرب الصحراء.
الرائد جوب لم يكن اسماً عابراً في تاريخ المؤسسة العسكرية. فقد كان من أبطال حرب الصحراء الذين عرفوا خطوط النار أكثر مما عرفوا المنابر، ومن الضباط الذين ساهموا لاحقاً في التحوّل السياسي للبلاد حين شارك عضواً في لجنة الخلاص الوطني التي أنهت حكم الرئيس الأسبق محمد خونا ولد هيداله سنة 1984.
وبعدها تدرّج في مهام حساسة داخل الدولة، فشغل منصب مدير الأمن الوطني (1984 – 1985)، ثم تولّى قيادة عدد من المناطق العسكرية، قبل أن يدخل مرحلة جديدة من المعاناة بعد اعتقاله في أكتوبر 1987 بتهمة المشاركة في التخطيط لانقلاب عسكري.
قضى سنواته الثقيلة في سجن قلعة ولاته، ذلك السجن الذي مرّ عبره العديد من الضباط والسياسيين في زمن الصراعات الداخلية. ولم يغادره إلا مع صدور قانون العفو الذي طوى ملفات كثيرة، لكنه لم يطوِ آثارها النفسية والاجتماعية على أصحابها.
بعد تسريحه من الجيش، عاد الرائد جوب إلى الناس من بوابة السياسة المحلية، وانتُخب عمدة لبلدية نيري والو، (ولاية كوركول) محوِّلاً تجربة السجن والظلم إلى خدمة مدنية هادئة، بعيداً عن الأضواء.
ومع ذلك، رحل الرجل كما عاش في سنواته الأخيرة: بصمت.
لا تأبين رسمي.
لا تكريم.
لا استعادة لسيرة ضابط قاتل دفاعاً عن بلده بشجاعة وقضي علي القائد الصحراوي الولي مصطفي السيد وكتبته شمال انواكشوط عندما حاولت تلك الكتيبة مهاجمة العاصمة، وشارك في صناعة أحد أهم المنعطفات السياسية فيها.
إن وفاة الرائد جوب جبريل أمادو تطرح سؤالاً مريراً عن ذاكرة الدولة:
كيف يمكن لبلدٍ يخوض اليوم معركة من أجل ترميم مؤسساته أن ينسى جنوده القدامى؟
كيف يشيّعهم بصمت بينما تُمنح الأوسمة ـ أحياناً ـ لمن لا علاقة لهم بالواجب الوطني؟
رحم الله الرائد جوب جبريل أمادو.
رحم الله كل من مرّوا في تاريخ هذه البلاد دون أن تمرّ الدولة في ذاكرتهم.








