أخبار وطنية

زيارة غزواني لنواذيبو: اعتقالات وتدشينات.!

 

أنواذيبو ، الإتحاد

محمد عبد الرحمن ولد عبد الله
كاتب صحفي ، انواكشوط

في زيارة جديدة لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني إلى العاصمة الاقتصادية نواذيبو، تجمّع المشهد على مفارقة لافتة: تدشينات تنموية على الورق، واعتقالات ميدانية في الشارع، في صورة تعكس تناقضًا صارخًا بين ما يُعلن وما يُمارس، بين خطاب التنمية وشبح القمع.

▪︎ مشهدان متوازيان.. لا يلتقيان

من جهة أولى، ظهرت الوفود الرسمية وهي تستقبل الرئيس بغزارة التصفيق واللافتات الممجدة، وتتباهى بعدد المشاريع التي سيدشنها في زيارته هذه. تشمل المشاريع بنية تحتية في الميناء والمنطقة الحرة، ومنشآت تعليمية وصحية قيل إنها ستكون “نقلة نوعية” في حياة سكان المدينة.

لكن من الجهة الأخرى، كانت قوات الأمن تنفذ اعتقالات في صفوف نشطاء وشباب خرجوا للتعبير عن مطالب اجتماعية، أبرزها غلاء المعيشة، البطالة، وانعدام العدالة في توزيع الفرص داخل شركات المدينة، خصوصًا منطقة نواذيبو الحرة التي باتت بحسب بعض المراقبين “دولة داخل الدولة”.

▪︎ مدينة الفرص الضائعة

نواذيبو، المدينة التي توصف بـ”بوابة الاقتصاد البحري الموريتاني”، تعاني من مفارقات مؤلمة. فبجوار مصانع تصدير السمك ومؤسسات التصنيع الكبرى، تعيش آلاف الأسر تحت خط الفقر، ويكابد الشباب البطالة رغم الوعود المتكررة بفرص التشغيل.

زيارة الرئيس – رغم ما تحمله من رمزية – لم تأتِ بجديد كبير في نظر بعض السكان. فقد سبقتها زيارات سابقة، وتصريحات مشابهة، ومشاريع تُدشّن على عجل ثم تختفي من التداول، إما بالتأجيل أو بسوء التسيير.

▪︎ الاعتقالات.. الصوت الآخر

توقيت الاعتقالات خلال الزيارة أثار انتقادات لاذعة في أوساط حقوقية وسياسية. فبدل أن تكون الزيارة مناسبة للإنصات لهموم الناس وفتح باب الحوار، تحوّلت إلى استعراض أمني لا يخلو من الرسائل السياسية. وقد تم توقيف عدة نشطاء بحجة “الإخلال بالنظام العام”، في حين تقول مصادر محلية إنهم كانوا ينوون تنظيم وقفات سلمية للتنديد بالتهميش وسوء توزيع ثروات المدينة وهدر الثروة البحرية.

▪︎ أي تنمية في غياب الحرية؟

المعادلة التي تتبناها السلطة تبدو مقلوبة: مشاريع تُعلن في صمت تام من الإعلام المستقل، وسكان يُطلب منهم التصفيق دون مساءلة، بينما تُخمد الأصوات التي تجرؤ على النقد والتعبير الحر عن الرأي.!

وإذا كانت الدولة تسعى فعلًا إلى “تنمية حقيقية”، فلا يمكن أن تتم من خلال التدشين القسري والمرافقة الأمنية المشددة، بل عبر حوار صريح مع المواطنين، وإشراكهم في صنع القرار، وضمان حرية التعبير والاحتجاج.واحترام حقوق الإنسان.

▪︎ الصورة لا تكتمل بالزينة فقط

زيارة غزواني لنواذيبو قدمت صورة مزركشة في الإعلام الرسمي، لكنها في العمق أعادت إلى الواجهة الأسئلة القديمة حول جدوى المشاريع المعلنة، ومصير الأموال المصروفة، وواقع الشفافية في الصفقات، ومتى سيتم احترام حق المواطن في التعبير.

فالتنمية لا تُقاس بعدد التدشينات، بل بمدى تأثيرها على حياة الناس. وما لم تصغِ الدولة لأصوات الاحتجاج بدل قمعها، فستظل كل زيارة – مهما حُمّلت من مشاريع – مجرد استعراض عابر في مدينة ما زالت تنتظر تنمية حقيقية، وحرية صادقة.

زر الذهاب إلى الأعلى