أخبار وطنية

سياحة على رمال الوهم… حين يتحوّل الترويج إلى تهريج

محمدعبدالرحمن ول عبدالله
كاتب صحفي ، أنواكشوط

في مشهد لا يخلو من رمزية صارخة، جلس وزيران من الحكومة الموريتانية على رمال شاطئ لاسكانتيراس، يتبادلان الضحكات وأقداح الحليب، في لقطة دعائية قيل إنها من أجل “الترويج للسياحة الداخلية”، وكأن البلاد لا تعاني من فقرٍ سياحي صارخ، ولا من انهيار في البنية التحتية، ولا من غياب استراتيجية حقيقية تجعل من السياحة قطاعًا واعدًا لا مجرد خلفية لصورة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الوزيرة بنت أحمدناه، ووزير الثقافة الحسين مدّو، لم يقدّما من خلال هذه الخرجة شيئًا يتجاوز المظهر؛ فلا ورش معلنة، ولا برامج محددة لدعم الفنادق، أو تنمية المناطق الأثرية، أو تدريب الكوادر المحلية. فقط “جلسة تصوير” ناعمة في الرمال، أقرب إلى استجمام شخصي منها إلى مهمة وزارية جادة.

● سياحة بلا طريق ولا ضوء

تعيش السياحة الداخلية في موريتانيا واقعا بائسًا:

لا وجود لطرقات صالحة تربط المواقع السياحية الحيوية ببعضها.

أغلب المناطق ذات الجذب السياحي (كشنقيط، وادان، وولاتة، تيشيت…) لا تتوفر فيها خدمات أساسية مثل الكهرباء المنتظم، أو المياه الصالحة، أو حتى وسائل نقل سياحي محترمة.

غياب تام لمنصات الحجز الإلكتروني، أو الأدلة السياحية، أو حتى حملات تحسيس موجهة للمجتمع المحلي لاستقبال الزائرين.

ومن حيث السياسات، لا توجد رؤية وطنية واضحة لاستثمار القطاع، لا في المناهج التعليمية، ولا في الميزانيات، ولا في الشراكات.

● هل نروّج لسياحة لا نملكها؟

إن الترويج السياحي لا يكون بتوزيع الابتسامات أمام الكاميرا، بل بتأهيل البنى التحتية، وتقديم الحوافز للمستثمرين، وتدريب الشباب المحلي ليكونوا جزءًا من المنظومة.
فهل يعقل أن نسوّق لـ”سياحة داخلية”، بينما الداخل نفسه غارق في العزلة، والفقر، وسوء الخدمات؟
وهل يُعقل أن نتحدث عن صناعة سياحية، في بلد لا توجد فيه حتى الآن وزارة قائمة بذاتها للسياحة، بل قطاع ملحق بثقافة تُدار بالمناسبات؟

● الابتسامة لا تبني اقتصادًا

الصورة جميلة نعم، لكن البلاد ليست بخير.
فبدلاً من نزهات الشاطئ المقنّعة، نحتاج وزراء ينزلون إلى مدن الداخل المهمشة، يعاينون واقع النزل السياحية المتآكلة، ويستمعون لأصحاب الحرف، ويرصدون فرص الربح الممكنة عبر تراثنا الصحراوي والثقافي.
نحتاج صراحةً إلى خطة وطنية للسياحة لا تعتمد على “السيلفي الوزاري”، بل على بناء مسارات للسياح، وتأمين الخدمات، وتحقيق دخل حقيقي للبلد ولشبابه.

● ختامًا…

لن تُبنى السياحة في موريتانيا ما دامت تُختزل في لحظة تسويق ذاتي، وما دام المسؤول يرى في عدسة الكاميرا أهم من عدسة التنمية.

فالابتسامات المصطنعة لا تصنع قطاعًا اقتصاديًا، ولا تحيي مدنًا نائمة، ولا تمنح شباب الداخل فرصة للنجاة.

زر الذهاب إلى الأعلى