سيارة واحدة… وأربعة رؤساء: كيف صنعت الصدفة مسار الحكم في موريتانيا؟

مقال صحفي نقدي
محمدعبدالرحمن ول عبدالله
في صباحٍ من مطالع الثمانينيات، وتحديدًا خلال عرض عسكري في فترة حكم الرئيس الأسبق محمد خونه ولد هيدالة، وقفت سيارة عسكرية تحمل أربعة رجال بزيّهم الميداني.
كان المشهد عاديًا في ظاهره:
- محمد خونه ولد هيدالة، الرئيس القائم.
- إلى جانبه معاوية ولد سيد أحمد الطايع، قائد أركان الجيش.
- وخلفهما أعلي ولد محمد فال، قائد المنطقة العسكرية السادسة.
- ومعهم ضابط شاب لم يكن يُعرف اسمه خارج حدود الثكنات يومها: محمد ولد عبد العزيز.
لم يكن أحد يتخيّل أن تلك السيارة العسكرية — التي جمعتهم صدفة — كانت تحمل أربعة رؤساء لموريتانيا في المستقبل.
كان الزمن يتهيأ لقدرٍ سياسي طويل: الرجال الأربعة الذين اعتلوا منصة الشرف العسكرية يومًا… سيعتلون لاحقًا منصة الحكم نفسها، واحدًا تلو الآخر.
● من العرض العسكري إلى قصر الحكم… صعود يتكرر بنفس الآليات
مرت السنوات، وتبدلت الأحوال، لكن “حسن طالع تلك السيارة” بدا وكأنه قدرٌ لا يخطئ طريقه.
فكل واحد من أولئك الرجال وصل إلى السلطة بالطريقة نفسها تقريبًا:
إما عبر انقلاب مباشر، أو عبر انقلاب دستوري، أو عبر إرث عسكري أتاح له التحكم بالمشهد.
- أُطيح بهيدالة كما أُتي به.
- ثم جاء معاوية، محمولًا على خلفيته العسكرية ومباركة المؤسسة.
- وبعده تولى أعلي ولد محمد فال السلطة عبر مجلس عسكري انتقالي.
- وأخيرًا، صعد محمد ولد عبد العزيز على وقع دخان انقلابين متتاليين، قبل أن يكرّس نفسه رئيسًا بصناديق اقتراع شكلية.
● لم تتشابه جهاتهم فقط… بل تشابهت فلسفة الحكم ذاتها
أكثر ما يلفت في قصة هؤلاء الرؤساء الأربعة أن المناطق التي خرجوا منها ليست سوى مظهر خارجي.
أما الجوهر فهو مدرسة سياسية واحدة:
- الجيش بوابة السلطة،
- الأمن لغة الإدارة،
- المركزية الثقيلة أسلوب حكم،
- والدائرة الضيقة إطار اتخاذ القرار.
لقد حكموا البلاد بطريقة متقاربة حدّ التطابق… كأن كل واحد منهم كان ينسخ دفتر سلفه، بخط عسكري محكم لا يتزحزح.
● أربعة عقود من الحكم… ماذا تغيّر؟
منذ مطلع الثمانينيات وحتى نهاية العقد الثاني من القرن الجديد، ظلت موريتانيا تدور في حلقة سياسية مغلقة.
تتغير الأسماء والرتب والبدلات… لكن الدولة لا تتغير.
والحصيلة كانت واضحة:
- تراجع في جودة التعليم،
- تدهور في الخدمات الصحية،
- انتشار الفقر واللامساواة،
- هشاشة في الاقتصاد،
- وتعمق “ذهنية السلطة” أكثر من “منطق الدولة”.
لم يكن أحد منهم يحمل مشروعًا لبناء دولة حديثة.
لم تكن هناك رؤية اقتصادية، ولا إصلاح مؤسسي، ولا تصور لمجتمع متماسك.
كانت السنوات تمضي… والبلاد تقف علي مفترق طرق غامض .
● السيارة التي لم تتوقف عن السير
تلك السيارة العسكرية التي جمعتهم يومها لم تكن مجرد لقطة في عرض رسمي، بل كانت رمزًا لمسار سياسي طويل.
ظلت تمشي — مجازًا — في نفس الطريق:
السائق يتغير، أما الاتجاه فلا.
● اليوم… هل خرجت موريتانيا من تلك المدرسة؟
قد يكون الزمن تغيّر، لكن بنية الحكم ما زالت تقاوم التغيير الحقيقي.
ولا خلاص لموريتانيا من الحلقة الدائرية إلا بتأسيس دولة لا تتدخل فيها الثكنة، ولا يُختصر فيها القرار في “السائق” مهما كان اسمه.







