ضعف المجتمع المدني..عائق أمام التنمية والتغيير
رغم العدد الكبير للمنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية في موريتانيا، إلا أن تأثير المجتمع المدني لا يزال محدودًا، إن لم يكن غائبًا في كثير من القضايا الجوهرية. ففي الوقت الذي تلعب فيه مؤسسات المجتمع المدني في الدول النامية دورًا مهمًا في مراقبة الأداء الحكومي، ونشر الوعي، والدفاع عن الحقوق، تبدو الساحة الموريتانية شبه فارغة من هذا الحضور الفاعل.
أزمة تمثيل حقيقية
من أهم مظاهر ضعف المجتمع المدني في موريتانيا أن الكثير من الجمعيات تبدو وكأنها كيانات شكلية، لا تُعبّر عن هموم المواطن ولا تشارك في صناعة القرار، بل في بعض الأحيان يتم إنشاؤها لأغراض شخصية أو لاقتناص فرص التمويل الخارجي، دون أن يكون لها امتداد شعبي حقيقي أو برامج ميدانية فعالة.
التحديات البنيوية والسياسية
يعاني المجتمع المدني الموريتاني من مجموعة من التحديات، من أبرزها:
الضعف المؤسسي: نقص الخبرات والكوادر المؤهلة في تسيير الجمعيات والمبادرات.
غياب الاستقلالية: تبعية بعض الجمعيات لجهات سياسية أو عشائرية أفقدتها المصداقية.
ضعف الثقافة المدنية: المجتمع الموريتاني، بفعل التركيبة التقليدية، لا يزال يعتمد بشكل كبير على البنى القبلية والروابط الاجتماعية القديمة أكثر من إيمانه بالعمل المدني المنظم.
تضييق المساحات: في بعض الأحيان تُواجه الجمعيات المستقلة عراقيل إدارية أو مضايقات غير مباشرة تعيق عملها.
أثر الغياب على التنمية
يؤدي غياب المجتمع المدني الفاعل إلى:
غياب الرقابة الشعبية على أداء السلطات، ما يفتح الباب أمام الفساد وسوء التسيير.
تهميش الفئات الضعيفة كالشباب والنساء وذوي الإعاقة، بسبب غياب منظمات تُدافع عنهم وتُعبر عن مصالحهم.
جمود ثقافي واجتماعي، في ظل غياب المبادرات التي تنشر الوعي حول قضايا مثل المواطنة، البيئة، حقوق الإنسان، والحكم الرشيد.
هل من أمل؟
رغم التحديات، تظهر من حين لآخر مبادرات شبابية ومجتمعية واعدة، خاصة في مجالات التعليم، والبيئة، والصحة. ويعوّل كثيرون على الأجيال الجديدة التي باتت أكثر وعيًا، وأكثر قدرة على استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل لتوسيع دائرة التأثير.
لكن هذا الأمل يحتاج إلى دعم رسمي وتشريعي، وتحرير المجال المدني من القيود، وتشجيع الشفافية، وتوفير التمويل النزيه والمستدام.
خلاصة: إن ضعف المجتمع المدني في موريتانيا ليس مجرد مشكلة تنظيمية، بل هو أحد أبرز مظاهر الخلل في البنية الوطنية، ويُشكّل عائقًا حقيقيًا أمام الإصلاح والتقدم. فبلا مجتمع مدني قوي، لا يمكن الحديث عن تنمية شاملة ولا عن ديمقراطية حقيقية.
محمدعبدالرحمن/ عبدالله