أخبار وطنية

فرصتان ضيّعهما الرئيس… والفساد ما زال يحكم!

محمد عبد الرحمن ولد عبد الله 

كاتب صحفي، نواكشوط

منذ أن وصل الرئيس إلى سدة الحكم، أُتيحت له فرصتان نادرتان لتغيير مسار البلاد، وإعادة الثقة إلى شعبٍ أنهكته الأنظمة المتعاقبة والوعود المنكوبة. غير أنّه، وللأسف، لم يغتنم الأولى، ويبدو أن الثانية تسير على خطى أختها، تتبخر بين الشعارات الباهتة وواقعٍ سياسي يزداد سوءاً وتعفّناً.

الفرصة الأولى: ثقة الشعب وبياض الصفحة
حين تولى الرئيس السلطة، فتح له الشعب صفحة جديدة بيضاء، وألقى على كتفيه أملاً غزيراً بأن تكون بدايته مختلفة عن سابقيه. كان الناس يتحدثون عن “رجل من المؤسسة العسكرية” قد يفعل ما لم يفعله الآخرون، يضرب بيد من حديد على الفساد، ويعيد للدولة هيبتها المنهوبة.
لكن سرعان ما تبدد الحلم، وتحوّلت تلك الوعود إلى خطبٍ خشبية، لا تسمن ولا تغني من واقعٍ يزداد اختناقاً. فالفاسدون ما زالوا في مواقعهم، والصفقات المشبوهة ما زالت تُوقَّع في الخفاء، و”القطيعة مع الماضي” لم تتجاوز أوراق الخطابات الرسمية.

الفرصة الثانية: ما زالت بين يديه… فهل يفعلها؟
اليوم، وبعد مرور سنوات على توليه السلطة، يجد الرئيس نفسه أمام فرصة جديدة، وربما الأخيرة، ليُثبت أنه ليس مجرد استمرارٍ لسلسلة الحكم المتهالكة، بل بداية مسارٍ مختلف.
الظروف السياسية والاجتماعية تنذر بانفجار صامت: أسعار مرتفعة، بطالة خانقة، فساد مستشرٍ في الإدارات، واحتكار للثروة من قِبل قلةٍ لا تشعر بوخز ضمير.
الناس لم يعودوا ينتظرون خطابات ولا إصلاحات على الورق، بل أفعالاً حقيقية تطال رؤوس الفساد لا موظفي الصف الثاني. يريدون رؤية دولةٍ تطبق القانون على الجميع، لا دولة تخاف من كبارها وتُرهِب صغارها.

عجز في الإرادة أم تواطؤ مع المنظومة؟
الواقع يُظهر أن النظام، بدل أن يواجه شبكات الفساد، قد تصالح معها أو وقع تحت قبضتها. فكيف نُفسر استمرار نفس الوجوه في تسيير الملفات الكبرى؟ وكيف نفهم ترقية من أدانتهم التقارير والمفتشيات بدلاً من محاسبتهم؟
الجواب المؤلم: أن السلطة لم تملك يوماً الإرادة الكاملة للمواجهة، أو أنها رأت في الفساد حليفاً لا يمكن الاستغناء عنه لضمان الولاءات السياسية والقبلية.

كلمة أخيرة
الفرصة ما تزال قائمة، لكنها تذوب سريعاً بين ضعف الإرادة وتغوّل مافيات المصالح. فهل سيفعلها الرئيس أخيراً، ويكتب اسمه في سجل الإصلاح الحقيقي؟
أم أن التاريخ سيضيف اسمه إلى قائمة الذين مرّوا من هنا دون أن يتركوا أثراً سوى مزيد من الخيبة والفساد؟

في موريتانيا، لا يُحاسب أحد، ولا يتغير شيء… لأن من يفترض أن يُصلح، ما زال متردداً بين الإصلاح واللأ مجالات!

 

زر الذهاب إلى الأعلى