في ذكرى الاستقلال… حين بُني الجيش الوطني من العدم

محمد عبدالرحمن ول عبدالله
صحفي ، اجتماعي وحقوقي
في مثل هذا اليوم من كل عام، تعود الذاكرة الجمعية للموريتانيين إلى لحظة فارقة في تاريخ الدولة الحديثة: 28 نوفمبر 1960. يومٌ أعلنت فيه موريتانيا استقلالها، وبدأت أولى خطوات بناء مؤسساتها السيادية، وفي مقدّمتها الجيش الوطني… ذلك الكيان الذي سيصبح لاحقًا حارس الوطن وحدوده، ودرعه في وجه الاضطراب والتحديات.
ولأن البناء لا يبدأ إلا برجال، فإن الوقوف اليوم عند سِيَر الآباء المؤسسين ضرورة لفهم حجم التحديات، وضخامة المسؤولية، ونُبل البدايات.
●محمد ولد الشيخ ولد أحمد محمود… أول وزير دفاع وركن التأسيس
في مقدمة هؤلاء الرجال يبرز اسم محمد ولد الشيخ ولد أحمد محمود، أول وزير دفاع وطني، وأحد الذين حملوا على عاتقهم مهمة عسيرة: تأسيس جيش في بلد يخطو أولى خطواته على طريق الدولة.
برحيله فقدت موريتانيا أحد أعمدة جيلها المؤسس، وتبقى ذكراه حاضرة كلما ذُكر الجيش الوطني. كان الرجل بمثابة حامل الشعلة في ليلة التأسيس، يقود مؤسسة بلا عُدة كافية ولا خبرات تراكمية، لكنه كان يمتلك ما هو أهم: الإرادة والرؤية.
● جيش من الصفر… ضابطان فقط يوم الاستقلال
لكي ندرك حجم التحدي الذي واجهه جيل التأسيس، يكفي أن نعلم أنه في يوم الاستقلال لم يكن للبلد سوى:
● ضابطين اثنين فقط برتبة ملازم، تخرجا قبل أربعة أشهر من ذلك اليوم:
- فياه ولد معيوف
- امبارك ولد بونه مختار
وهما أول دفعة من الضباط الموريتانيين، بدأت تكوينها في يناير 1959، وتخرجت في يوليو 1960.
● ستة ضباط صف كانوا يشكلون قاعدة النواة الأولى، سيستفيدون لاحقًا من تكوين عسكري ليلتحقوا بسلك الضباط:
- سيد أحمد ولد اللب
- جا امادو
- اسويدات ولد وداد
- جالو محمد (محمد ولد الشيخ ولد بلله)
- محمد ولد عبد القادر “كادير”
- يال عبد الله
ثمانية رجال كانوا يشكلون جهاز القيادة الفعلية للقوة العسكرية الوليدة… جيش كان أقرب إلى الفكرة منه إلى المؤسسة، وإلى الإرادة أكثر من الهيكل.
● رجال تحت التكوين… دفعات ستصنع تاريخ المؤسسة
وفي فرنسا، كان سبعة ضباط يتابعون تكوينهم العسكري، موزعين على دفعتين ستعودان لاحقًا لقيادة الجيش والدولة نفسها:
● دفعة 1959 – الدفعة الثانية من الضباط
(بدأت التكوين في يناير 1960 وتخرجت في يوليو 1961):
- المصطفى ولد محمد السالك
- معاوية ولد الطايع
- محمد محمود ولد الحسين (حمود ولد الناجي)
- الشيخ ولد بيده
- أحمدو ولد عبد الله
● دفعة 1960 – الدفعة الثالثة من الضباط
(بدأت في نوفمبر 1960 وتخرجت في يوليو 1962):
- أحمد سالم ولد سيد
- محمد محمود ولد أحمد لولي
هؤلاء وغيرهم ممن لحقوا بهم لاحقًا شكّلوا العصب الأول لقوات مسلحة ستتحول خلال عقود قليلة من مجموعة ضباط متفرقين إلى مؤسسة نظامية لها عقيدتها وهيبتها وأدوارها المتعددة.
● من نواة محدودة… إلى مؤسسة تحمي دولة
الحقيقة التي يقرّ بها كل من درس تاريخ الجيش الموريتاني هي أنه بدأ من العدم تقريبًا، بلا تجهيزات، بلا خبرات، وبعدد ضئيل من الكوادر الوطنية. لكن ما كان يملكه المؤسسون هو ما لم يكن يُشترى: الإيمان بالدولة، والإيمان بالحدود، والإيمان بأن موريتانيا لن تنهض ما لم تمتلك جيشًا يحمي استقلالها الوليد.
لقد كانت مسؤولية جبارة، حملها رجال بسطاء في ظروف صعبة، وتحديات أمنية وسياسية كبيرة.
● تحية للراحلين… ودعاء للأحياء
رحم الله من غادر من هؤلاء الرواد، فقد تركوا خلفهم جيشًا يشهد لهم بأنه وُلد على أكتافهم.
ومتّع الله الأحياء منهم بالصحة والعافية، فهم صفحات مضيئة في سجل وطنٍ لم يكن لينهض لولا تضحياتهم.
● ختامًا…
العودة إلى تلك البدايات لا تهدف فقط إلى تمجيد الماضي، بل إلى تذكير الأجيال الجديدة بأن الأوطان تُبنى بالعمل والصبر، وبالإيمان بأن الحاضر مهما اشتدّت تعقيداته يمكن أن يُعاد تشكيله كما شُكّل الماضي من قبل.
▪︎ في ذكرى الاستقلال…
نقف إجلالًا للآباء المؤسسين، ونرفع القبعة لأولئك الذين بنوا الجيش الوطني من لا شيء، ليصبح اليوم رمزًا من رموز الدولة وأداة من أدوات سيادتها.






