ثقافة

قانون الرموز: غطاء تشريعي لسطوة المفسدين.

نواكشوط – محمدعبدالرحمن
ول عبدالله ،كاتب صحفي

قبل أربع سنوات، صادق البرلمان الموريتاني في جلسة مثيرة للجدل على ما سُمّي بـ”قانون حماية الرموز الوطنية”، وهو القانون الذي فُسِّر في البداية على أنه خطوة لحماية مؤسسات الدولة ومكانة رموزها من التهجم والإساءة. لكن الواقع سرعان ما كشف أن القانون لم يكن سوى أداة جديدة بيد قوى النفوذ لإخماد أصوات المعارضة، وقمع الصحفيين والمدونين، وتحصين الفساد من أي شكل من أشكال المساءلة.

من الحماية إلى التحصين

ينص القانون على تجريم الإساءة إلى “رموز الدولة ومؤسساتها”، ويُعاقب من يثبت عليه ذلك بالسجن والغرامات، دون أن يحدد بوضوح مفهوم “الرموز” أو يضع حدودًا فاصلة بين حرية التعبير والإساءة.

وبحسب قانونيين، فإن الغموض المقصود في الصياغة سمح بتأويلات واسعة، بات يُستخدم فيها القانون لمعاقبة من ينتقدون موظفين سامين، أو يكشفون ملفات فساد، أو حتى يعبّرون عن غضبهم من تدهور الأوضاع المعيشية.

يقول أحد المحامين الذين تولوا الدفاع عن مدوّنين اعتُقلوا بموجب القانون:
“القانون لم يُستخدم لحماية مؤسسات الجمهورية، بل لحماية الأشخاص المتنفذين داخلها. إنه قانون لتحصين الفساد، لا لمحاربته.”

ضحايا الكلمة.. في قبضة القانون

منذ صدور القانون، تم توقيف ومحاكمة عشرات النشطاء، من بينهم صحفيون ومدوّنون، بتهم تتعلق بـ”إساءة الرموز”، غالبًا بسبب منشورات أو تصريحات تنتقد التسيير أو تسلط الضوء على الفساد داخل مؤسسات الدولة.

ويقول أحد هؤلاء المدونين، الذي سبق أن سُجن بموجب هذا القانون:
“قالوا لي: اعتذر عن منشورك وسنخفف العقوبة. قلت: لا أعتذر عن قول الحقيقة، ولو كلّفني ذلك حريتي.”

ورغم أن القوانين الدولية تكفل حرية التعبير، إلا أن هذا القانون يتعارض بشكل صارخ مع المواثيق التي صادقت عليها موريتانيا، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية الذي وصف القانون بـ”المُقيد وغير المتناسب”.

سطوة المفسدين .. وشرعنة الإفلات من العقاب

الأدهى أن القانون لم يُطبّق يومًا ضد المتهمين بالفساد الذين يسيئون فعليًا إلى سمعة الدولة، بل أصبح وسيلة لشيطنة من يفضحونهم.

فالفساد الذي ينخر قطاعات التعليم والصحة والبنى التحتية، وتكشفه تقارير محلية ودولية، لم يُقابل يوماً بقانون يحاسب المفسدين بنفس الصرامة. بل إن بعض من وردت أسماؤهم في تقارير المفتشية العامة للدولة، أو كانت لهم سوابق في قضايا المال العام، تم تعيينهم في مناصب سامية، بينما زُجّ بالمبلغين عن تلك الخروقات في السجون.

مطالب بالمراجعة والتعديل

يطالب نشطاء حقوق الإنسان وصحفيون ومثقفون بمراجعة القانون، أو إلغائه كلياً، نظراً لتعارضه مع الدستور وروح الديمقراطية، وتسببه في تكميم الأفواه، وتوسيع دائرة الخوف في أوساط المجتمع المدني.

كما دعا بعض البرلمانيين المعارضين إلى فتح نقاش وطني حول حدود حرية التعبير، وضمانات حماية الشهود والمبلغين عن الفساد بدل معاقبتهم.

ويؤكد أحد الصحفيين البارزين:
“من المؤسف أن تتحول الرموز الوطنية إلى سلاح يُشهَر في وجه الفقراء والمهمشين، بينما يسرح المفسدون دون مساءلة. هذا القانون يجب أن يُلغى، أو يُعدّل جوهريًا على الأقل.”خاتمة: بين الرمز والمضمون

قانون الرموز لم يحمِ الوطن من “الإساءة”، بل أساء إلى سمعته الحقوقية والديمقراطية، عندما أصبح مظلة تُظلّ المفسدين، وسوطًا يُلهب ظهور الكادحين.

وحين تُصبح الرموز “أعلى من النقد”، فإن الوطن نفسه يُصبح أدنى من الحرية.

زر الذهاب إلى الأعلى