قطع الإنترنت..موعد غبي يتجدد كل عام.!
في كل موسم امتحانات، يتكرر المشهد نفسه: قطع شامل للإنترنت في عموم البلاد، بحجة الحد من الغش في الامتحانات الوطنية. وكأن هذا القرار الموسمي أصبح طقسًا رسميًا لا يمكن تجاوزه، رغم ما يسببه من أضرار اقتصادية وتعليمية وخدمية لا تُحصى.
تبدو الحكومة وكأنها لم تجد حلًّا آخر، وكأن الغشّ خطر وجودي لا يمكن مواجهته إلا بعقاب جماعي شامل لكل المواطنين.
لكن السؤال الجوهري هو: إلى متى سنظل نختار أسهل الحلول.. وأقلها فاعلية؟
عندما نختار أسهل الحلول.. وأقلها فاعلية!
قطع الإنترنت إجراء بدائي في عصر التقنيات الذكية، ويعكس عجزًا واضحًا في ابتكار حلول فعالة لمشكلة الغش. فبدل تطوير وسائل رقابة رقمية، وتكوين لجان مراقبة مؤهلة، وتحسين بيئة الامتحانات، تلجأ الدولة إلى الأسلوب الأبسط والأكثر ضررًا: إغلاق الشبكة بالكامل.
وهكذا يُضحى بحق الملايين في الاتصال والعمل والتعليم، من أجل إخفاء ضعف المنظومة التربوية، لا إصلاحها.
إنه قرار لا يعالج أصل المشكلة، بل يزين فشل الوزارة بشعارات “الحرص على نزاهة الامتحان”، في حين أن الواقع يزداد هشاشة، والمواطن يدفع الثمن كل عام من وقته، وأعماله، وخدماته، وحتى أمنه الرقمي.
الضحية: الاقتصاد والمجتمع
لا يدفع الطالب وحده ثمن هذا الإجراء، بل يتضرر منه الإعلاميون، وأصحاب الأعمال الحرة، والمصارف، والتطبيقات، والاتصالات، وحتى الخدمات الطبية التي تعتمد على الشبكة في التنسيق والتواصل.
قطع الإنترنت اليوم لم يعد خيارًا بسيطًا، بل تهديد مباشر للبنية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة.
من يحاسب من؟
في الدول الديمقراطية، لا يُتخذ مثل هذا القرار إلا وفق ضوابط قانونية صارمة، لأن الإنترنت اليوم لم يعد رفاهية، بل حق من حقوق الإنسان، وأداة للتنمية والتعليم والحوار المجتمعي.
فمن يحاسب من قطع الإنترنت عن دولة كاملة؟ ومن يعوض المتضررين؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا الانقطاع الذي يتكرر بلا محاسبة ولا مساءلة؟
نحتاج حلولًا حقيقية لا ذرًّا للرماد
إذا كانت الحكومة جادة في محاربة الغش، فلتبدأ من أصل الداء: ضعف التعليم، وتدني مستوى التكوين، وغياب الانضباط، وفساد بعض مراكز الامتحان.
أما القطع الجماعي للإنترنت، فهو مجرد دليل على العجز، ورسالة سلبية مفادها: “لا نملك من الوسائل سوى إطفاء الضوء وإغلاق النوافذ”.
لن يتطور تعليم يُدار بأساليب الطوارئ، ولا دولة تُدار بمنطق العقاب الجماعي.
ومادامت السلطات تكرر هذا الخطأ كل عام، دون تطوير أو إصلاح، فإننا بحق نعيش “موعدًا غبيًا يتجدد كل عام”!
محمدعبدالرحمن عبدالله
كاتب صحفي