لماذا تفشل المشاريع وتُهدر التمويلات؟
محمدعبدالرحمن عبدالله
كاتب صحفي
في كثير من البلدان النامية، ومنها موريتانيا، تتكرر ظاهرة فشل المشاريع التنموية رغم ضخامة التمويلات المخصصة لها، مما يطرح تساؤلات جوهرية: لماذا تُهدر هذه الأموال؟ ولماذا لا تتحول الخطط إلى إنجازات حقيقية؟ وكيف تصبح المشاريع مجرد شعارات تتلاشى بعد انتهاء فترة الترويج الإعلامي؟
أولًا: غياب التخطيط الواقعي
من أبرز أسباب فشل المشاريع هو الاعتماد على خطط ارتجالية لا تنبع من واقع الحاجات المجتمعية. كثير من المشاريع تبدأ بدراسات سطحية أو منسوخة من تجارب خارجية دون تكييف مع البيئة المحلية، ما يجعلها غير قابلة للتطبيق أو الاستدامة.
ثانيًا: الفساد وسوء التسيير
يُعد الفساد الإداري والمالي العائق الأكبر أمام نجاح المشاريع. تُمنح الصفقات بناءً على المحاباة لا الكفاءة، وتُضخ الأموال في قنوات غير شفافة، فتتآكل الميزانيات بين العمولات والرشاوى والمصاريف الوهمية. أما التنفيذ، فغالبًا ما يُسند إلى شركات غير مؤهلة همّها الربح لا الجودة.
ثالثًا: ضعف الرقابة وغياب المساءلة
يفتقر تنفيذ المشاريع إلى المتابعة الجادة والتقييم المحايد. إذ نادرًا ما تُسند عمليات الرقابة لهيئات مستقلة، ما يسمح بتراكم الاختلالات دون محاسبة. ويزيد الطين بلّة أن كثيرًا من المسؤولين لا يُحاسَبون عند فشل المشاريع، بل يُكافأ بعضهم بمناصب جديدة.
رابعًا: تغييب الكادر المحلي
كثير من المشاريع التنموية تعتمد على خبراء أجانب أو أطقم غير مندمجة مع الواقع المحلي، مما ينعكس على فعالية التنفيذ. يتم تجاهل الخبرات الوطنية، أو استبعادها لحسابات سياسية وقبلية، فتنفصل المشاريع عن أصحاب المصلحة الحقيقيين.
خامسًا: استغلال المشاريع لأهداف سياسية
تُستغل بعض المشاريع لأغراض سياسية أو انتخابية، فتُطلق في مواسم محددة دون نية حقيقية لإنجازها. تُروّج إعلاميًا كنجاحات كبرى، ثم تُنسى بمجرد انتهاء الحملة أو تغيير الوزير المسؤول.
النتائج الكارثية:
هدر مليارات من التمويلات الوطنية والدولية دون أي عائد.
فقدان ثقة المواطن في مؤسسات الدولة ومشاريعها.
تكرار نفس الأخطاء في مشاريع جديدة دون الاستفادة من تجارب الماضي.
تأخر عجلة التنمية وزيادة نسب الفقر والبطالة والتهميش.
الخلاصة:
فشل المشاريع ليس قَدَرًا حتميًا، بل نتيجة طبيعية لغياب الحكامة الرشيدة واحتقار التخطيط العلمي والتشاركية. المطلوب هو إصلاح شامل يبدأ بالشفافية والمساءلة، وتفعيل الرقابة، واعتماد معايير صارمة في التخطيط والتنفيذ، وإشراك المواطن لا التحدث باسمه. بدون ذلك، ستبقى المشاريع مجرد أوراق تُمزق، وتمويلات تُهدر، وأحلامًا مؤجلة إلى أجل غير مسمى.