أخبار وطنية

مائتان وخمسون مستشاراً ومكلفاً بمهمة: جيوش بلا خطط!

في الدول التي تُدار بعقلانية مؤسساتية، يُفترض أن تُبنى القرارات على معايير الكفاءة، والجدوى الاقتصادية، والقدرة على خدمة المصلحة العامة. غير أن الواقع الموريتاني يكشف مشهداً مختلفاً، حيث تحوّل منصب المستشار والمكلف بمهمة إلى عبءٍ إضافي على الميزانية بدل أن يكون أداةً للتوجيه وصناعة القرار.

هذا العام فقط، ستتحمل الخزينة العامة 2.5 مليار أوقية قديمة كرواتب لفيلقٍ من المستشارين والمكلفين بمهام في رئاسة الجمهورية والوزارة الأولى والوزارات، أي ما يعادل الرواتب السنوية لـ 1800 معلم. وإذا علمنا أن لكل واحد من هؤلاء مكتباً مؤثثاً وحاسوباً وساحبة وهاتفاً، وربما سيارة حكومية، ندرك أن التكلفة الحقيقية تتجاوز بكثير تلك الأرقام.

ورغم هذه الكلفة الباهظة، لا توجد آليات عمل واضحة تضبط أداء هؤلاء: لا خطة وطنية لعملهم، لا تقارير موحدة بمؤشرات جودة ونتائج، لا منظومة تقييم لقياس مردودية الجهد. فلكل مستشار طريقته الخاصة في الكتابة وإعداد التقارير، وغالباً ما يسود الارتجال والفوضى.

الأدهى أن عددهم الهائل لا يعكس بالضرورة قوة الدولة بل ضعفها؛ فالوزير الأول وحده محاط بـ 35 مستشاراً ومكلفاً بمهمة، مع أن تجارب الإدارة الحديثة تؤكد أن الفرق الصغيرة أكثر نجاعة وانسجاماً وأسهل قيادة وتوجيهاً.

النتيجة أن الدولة تدفع أموالاً طائلة دون أن تحصل بالضرورة على مقابل عادل. المواطن، باعتباره دافع ضرائب، يتساءل: هل نحن أمام جهاز استشاري فعال؟ أم مجرد شبكة محسوبية وتوظيف سياسي مقنّع؟

إن إصلاح هذا الوضع يتطلب ترشيد العدد، توحيد آليات العمل، واعتماد نظام تقييم دوري للأداء. فالدولة ليست بحاجة إلى جيوش من المستشارين بقدر حاجتها إلى قلة من الكفاءات، تعمل وفق خطط واضحة، وتخضع للمساءلة أمام الرأي العام.

زر الذهاب إلى الأعلى