أخبار وطنية

محاربة الفساد بزبل البقر اليابس!

محمد عبد الرحمن ولد عبد الله

كاتب صحفي، نواكشوط

في موريتانيا، يبدو أن شعار “محاربة الفساد” لا يزال مجرد عبارة تُرفع في الخُطب وتُكتب في البرامج الحكومية، دون أن تترجم إلى أفعال حقيقية تمسّ جذور الفساد العميقة. فمنذ أكثر من عقدين، والبلاد تُدشّن بين الحين والآخر “مرحلة جديدة لمحاربة الفساد”، لكن النتائج على الأرض لا تتجاوز ضجيج التصريحات الرسمية ومواسم الانتقائية السياسية.

الفساد عندنا ليس ظاهرة عابرة، بل نظام حياةٍ متكاملٍ ومؤسّسٍ بإتقان.
هو في التعيينات التي تقوم على الولاء لا الكفاءة،
وفي الصفقات التي تُطبخ في مكاتب مغلقة،
وفي المشاريع الوهمية التي تُلتهم ميزانياتها قبل أن ترى النور.

لقد صار الفساد هنا مثل هواءٍ نتنٍ يتنفسه الجميع، ويكاد لا يشعر به أحد لأنه صار جزءاً من الطبيعة الإدارية والسياسية. أما من يتحدث عن مكافحته، فيبدو كمن يحاول تنظيف بيتٍ يغرق في الوحل دون وسائل، أو كمن يخوض حربا  باستخدام “زبل البقر اليابس”!

كيف نحارب الفساد ونحن نكافئ المفسدين بالمناصب؟
كيف نحاربه والرقابة المالية تُدفن تقاريرها في الأدراج؟والتي تشير بوضوح ألإختلاس  ميأت المليارات ؟!
كيف نحاربه ونحن  يخشى لمس الملفات الثقيلة التي تمسّ “المحميين”؟

من المضحك المبكي أن نسمع عن “استراتيجية وطنية لمحاربة الفساد” بينما لا تزال لجنة الشفافية بلا صلاحيات، والمفتشيات العامة تُستخدم كسلاح سياسي ضد الخصوم فقط. في المقابل، تُصرف المليارات على الورشات والخطط والدراسات، دون أن يجرؤ أحد على ملامسة جوهر المشكلة: غياب الإرادة السياسية، واحتكار الثروة والسلطة في أيدي نفس الدائرة منذ عقود.

الفساد في موريتانيا ليس مجرد اختلاس مالٍ عام، بل منظومة متكاملة من الزبونية، والمحسوبية، والسكوت مقابل المنافع، وتبرير الجرائم الإدارية باسم “المصلحة العليا” و”التوازنات الاجتماعية”.
والنتيجة: مشاريع متعثرة، مدارس بلا تجهيز، مستشفيات بلا دواء، وشبابٌ بلا أمل.

لا تُحارب الشعوب الفساد بالشعارات، بل بالمحاسبة.
ولا تُبنى الدول على المجاملات، بل على القانون.
أما نحن، فما زلنا نكتفي برشّ العطر فوق الجثة العفنة، ونسمّي ذلك إصلاحًا!

إن محاربة الفساد الحقيقية تبدأ من القمة، لا من الحارس البسيط أو الكاتب الإداري، وتحتاج إلى قضاءٍ مستقل، وهيئات رقابية محمية بالقانون، وإرادة سياسية لا تخضع للقبلية ولا للصفقات الانتخابية.
دون ذلك، سنظل نحارب الفساد بـ”زبل البقر اليابس”… أي بشيءٍ لا ينظّف ولا يُصلح، بل يزيد الروائح سوءًا!

زر الذهاب إلى الأعلى