مقالات

مفسدون، لايحاسبون.. ولايتقاعدون

مفسدون لا يُحاسبون… ولا يتقاعدون!

بقلم: محمد عبدالرحمن عبدالله
كاتب صحفي

في الدول التي تعاني من غياب المحاسبة، وتسيطر فيها شبكات المصالح على مفاصل الدولة، يصبح الفساد أسلوب حكم لا استثناءًا عابرًا.
والأدهى من ذلك: أن المفسدين لا يُحاسبون على ما ارتكبوه، ولا يُحالون إلى التقاعد رغم فشلهم المتكرر، بل يبقون في المشهد السياسي والإداري كأنهم “أعمدة النظام”، لا يمكن إزاحتهم ولا مساءلتهم.

مفسد دائم… في دولة بلا ذاكرة

كم من اسم تكرر في الحكومات والهيئات لعقود؟
كم من وجه فشل في وزارة، ثم انتقل إلى منصب آخر دون مساءلة؟
في الدول التي تُدار بلا تقييم ولا شفافية، يتحول المنصب العام إلى إقطاعية دائمة، تُمنح كمكافأة على الولاء، لا على الأداء.

والأسوأ أن هؤلاء لا يغادرون الساحة، حتى بعد بلوغهم سن التقاعد أو تجاوزهم مراحل الفشل المتتالية. يُستدعون تحت عناوين “الخبرة”، وهم في الحقيقة جزء من المشكلة لا من الحل.

لماذا لا يُحاسَبون؟

لأنهم محصّنون داخل منظومة تقوم على المحاباة لا المحاسبة.

من يحمي المصالح يُحمى،

ومن يصمت على الفساد يُكافأ،

ومن لا يهدد النفوذ يُعاد تدويره.

المنصب العام في هذا السياق ليس خدمة عامة، بل ثمن للولاء السياسي أو القبلي أو الشخصي.

ولا يتقاعدون… لأن النظام لا يثق إلا في أدواته

في الدول المتقدمة، يكون التقاعد فرصة لتجديد الدماء وفسح المجال للكفاءات الجديدة.
أما في أنظمة الفساد، فإن المفسدين لا يتقاعدون فعليًا، بل يُعاد تدويرهم كمستشارين، أو يُمنحون مناصب شرفية، أو يُستدعون عند كل أزمة، وكأن البلاد خلت من الكفاءات الشابة.

وهكذا تُغلق الأبواب أمام الأمل، ويُعاد إنتاج الفشل بوجوه متعبة لا تزال تمسك بالمفاتيح.

الخاسر الوحيد: الوطن

تتراكم الإخفاقات،

تتراجع الثقة في المؤسسات،

يشعر الشباب بالتهميش،

ويترسخ الشعور بأن الدولة لا تعني الكفاءة، بل المحسوبية والبقاء في الظل.

وفي النهاية، يصبح المواطن مقتنعًا بأن الفساد لا يُعاقب… بل يُكافأ.

الدولة التي لا تُحاسب الفاسدين، ولا تُجدد نخبتها، تختار أن تعيش في حلقة مغلقة من الفشل.
والمفسد الذي لا يُحاسب، ثم لا يُتقاعد، هو دليل على أن الخلل ليس في الأفراد فقط، بل في النظام كله.

التغيير الحقيقي يبدأ من كسر هذه الدائرة الخانقة، وإحلال الكفاءة محل الولاء، والمساءلة بدل المجاملة، والتجديد بدل التدوير.

زر الذهاب إلى الأعلى