مفوضية الأمن الغذائي..الفساد الممنهج
رغم أهمية الدور الذي يُفترض أن تلعبه مفوضية الأمن الغذائي في حماية الطبقات الهشة، وتأمين الغذاء للفقراء والمنكوبين، فإنها أصبحت – حسب مراقبين – واحدة من أكثر المؤسسات الموريتانية إثارة للجدل، بسبب تفشي الفساد الممنهج داخلها، وسوء تسيير الموارد المخصصة للفئات الأكثر ضعفًا.
مظاهر الفساد الممنهج داخل المفوضية
1. صفقات مشبوهة في الأعلاف والغذاء
عُرفت المفوضية بإبرام صفقات توريد غير شفافة، خاصة خلال برامج التدخل في أوقات الجفاف، حيث سُجل توريد أعلاف فاسدة أو رديئة الجودة، تم بيعها بأسعار مدعومة دون مراقبة فعلية، ما أضر بالمنمين والمزارعين بدل أن يدعمهم.
2. تسريب مساعدات غذائية وبيعها في السوق
تكررت فضائح تسريب أكياس الأرز والقمح والسكر الموجهة للفقراء إلى السوق السوداء، بل وتم تداول صور لهذه المواد وهي تُباع في الأسواق، في ظل غياب أي رقابة حقيقية.
3. استغلال سياسي للمساعدات
تُوزع المساعدات الغذائية في أوقات الحملات الانتخابية أو في مناطق محسوبة على النظام، ما يحوّل “الأمن الغذائي” إلى ورقة سياسية بدل أن يكون حقًا إنسانيًا.
4. غياب الشفافية في التوزيع
كثير من التقارير المحلية أكدت أن المفوضية تعتمد لوائح غير محينة للمستفيدين، أو تلجأ إلى وسطاء قبليين أو محليين لا يتمتعون بالكفاءة، مما يفرّغ البرامج من محتواها ويُقصي المستحقين الحقيقيين.
النتائج الكارثية للفساد داخل المفوضية
فقدان ثقة المواطنين: تراجعت مصداقية المفوضية بشكل كبير في نظر المواطنين، لا سيما في المناطق الريفية والفقيرة.
اتساع دائرة الفقر: بدلاً من أن تساهم المفوضية في تقليص الجوع، أصبحت جزءًا من المشكلة بسبب الفساد وسوء التخطيط.
إهدار المال العام: مئات الملايين من الأوقية تضيع سنويًا في صفقات مشبوهة، مما يُشكل عبئًا على الميزانية العامة دون فائدة تُذكر.
أمثلة حية على الفشل
في عام 2023، تم الكشف عن توزيع كميات فاسدة من القمح في ولاية الحوض الغربي، مما أثار استياء السكان ودفع الحكومة للتدخل لاحقًا بعد تفاقم الأزمة.
شكاوى متكررة من توزيع غير عادل للمساعدات في مقاطعات كرمسين، ألاك، وتمبدغة، حيث يُتهم موظفون بتفضيل أقاربهم أو استغلال النفوذ.
ماذا يجب فعله؟
1. تدقيق ومراجعة شاملة لبرامج المفوضية بواسطة جهة رقابية مستقلة.
2. فصل العمل الإغاثي عن السياسي، وتجريم استغلال المساعدات لأغراض انتخابية.
3. رقمنة التوزيع وإشراك المجتمع المدني في الرقابة لضمان الشفافية.
4. نشر التقارير المالية السنوية وتحديد معايير واضحة لتصنيف المستفيدين
الفساد داخل مفوضية الأمن الغذائي لم يعد مجرد شبهة، بل أصبح نمطًا إداريًا متجذرًا، ينهك موارد الدولة ويعمّق معاناة الفئات الأكثر فقرًا. وإذا لم تتم محاسبة المسؤولين، فإن الأمن الغذائي في موريتانيا سيبقى مجرد شعار فارغ في تقارير رسمية لا تمت للواقع بصلة.
تقرير :
محمدعبدالرحمن عبدالله
كاتب صحفي