أخبار وطنية

“نظام العائلات القبلية: حين تتحوّل الدولة إلى ميراث خاص”

في مشهد رمزي لكنه فاضح، جلست رئيسة جهة نواكشوط، فاطمة منت عبد المالك، إلى جانب ابنة أختها، وزيرة المياه آمال منت مولود، أثناء اجتماع الوزير الأول بلجنة “عصرنة العاصمة”.
هذا الاجتماع، الذي يُفترض أنه منطلق نحو تحديث المدينة، بدا كأنه عرض عائلي يؤكد أن الدولة لا تزال حكرًا على مجموعة ضيقة من الأسماء المتوارثة والوجوه المتكررة.

عائلات تتحكم في مفاصل القرار

من المؤسف أن الخطاب الرسمي حول “التجديد والكفاءة” لا يجد له ترجمة على الأرض، في ظل هيمنة منطق الولاءات العائلية والقبلية على التعيينات والمناصب. فحين تُعهد المهام الكبرى لوزيرة لأنها “ابنة الأخت”، أو يُعاد انتخاب رئيسة الجهة لأنها “ابنة النظام”، تتبخر مفاهيم التقييم المهني والتكافؤ في الفرص.

إن إعادة تدوير الأسماء نفسها بين القطاعات، حتى وإن فشلت في مسؤوليتها السابقة، بات سمة راسخة في النظام السياسي، حيث تتحوّل العائلة إلى مؤسسة فوق الدولة، وتُفصّل الوظائف حسب الروابط والدم، لا حسب الكفاءة والنزاهة.

فساد موروث واستثمارات مهجّرة

الخطير في الأمر، أن هذه الشخصيات لا تكتفي بإعادة إنتاج فشلها في المناصب، بل تواصل الاستثمار في الفساد الممنهج، وتحويل المال العام إلى أرصدة وعقارات ومشاريع خاصة في الخارج.
فـ”الخالة وابنة أختها”، كما يصفهما الشارع، لا يخفى على أحد ما جنتاه من امتيازات وصفقات، خلال سنوات من إدارة قطاعات خدمية كبرى (البلدية والمياه)، في الوقت الذي تُعاني فيه العاصمة من العطش، والاختناق المروري، وتراكم الأوساخ، وضعف البنية التحتية.

أي “عصرنة” نريدها لأنواكشوط، تُشرف عليها أسماء تُحمّلها الذاكرة الجمعية للمواطنين كلفة سنوات من التسيير الكارثي؟

عصرنة أم تجميل للفساد؟

الواقع أن مشروع “عصرنة العاصمة” لا يمكن أن يتحقق بنفس العقليات التي أوصلتها إلى هذا التدهور. فالعصرنة ليست رصيفًا جديدًا، أو مصباحًا عصريًا، بل هي منظومة حكم حديثة تقوم على الشفافية، والكفاءة، ومحاسبة المسؤولين، لا ترقيتهم لمجرد أنهم من العائلة أو القبيلة أو الحاشية.

خاتمة:
دولة بين أيدي العائلات

حين تتحول الدولة إلى شركة عائلية، لا يُرجى منها نهوض ولا تحديث.
وحين يُكافأ الفشل بالتدوير، ويُربط المصير العام بروابط الدم، تتراجع العدالة، وتُقتل المنافسة، ويُهاجر الأمل.

إن نواكشوط لا تحتاج إلى تزيين في السطح، بل إلى تحرير من مومياءات الفساد التي توزّعت المدينة كإقطاعيات.

زر الذهاب إلى الأعلى