وزير الصحة يعلن الحرب على “تجار السموم”… فهل يسقط كما سقط نذيرو؟!
في سابقة نادرة من نوعها في الخطاب الحكومي، فاجأ وزير الصحة الدكتور ولد أعلى محمود الجميع بتصريحات جريئة وصريحة أمام البرلمان، حين طالب تجار الأدوية بإخلاء القطاع فورًا لصالح الصيادلة والمتخصصين، مؤكدًا أن “عقدين من الفوضى التي خلقها التجار في قطاع الدواء تكفي ولا يمكن أن تستمر”.
تصريحات الوزير كانت كطلقةٍ في صمتٍ طويلٍ، زلزلت عرش مافيا الدواء التي ظلت لعشرين سنة تعبث بصحة الموريتانيين دون رقيب ولا وازع. فهؤلاء التجار – الذين حوّلوا السوق الدوائية إلى دولة داخل الدولة – لا يطيقون أي تهديد لمصالحهم، ولا يتسامحون مع من يقترب من مناطق نفوذهم الذهبية.
■ دولة التجار داخل الدولة
الوزير لم يكتفِ بوصف الواقع، بل نصح هؤلاء التجار صراحةً بالبحث عن مصادر ربح خارج الأدوية، في إشارة إلى أن زمن التلاعب بصحة المواطن قد ولى. لكن الواقع يقول غير ذلك؛ فـ”تجار السموم” لا يخرجون بسهولة من مجالٍ يغذّي مصالحهم بملايين الأوقية يوميًا، حيث يسيطرون على الاستيراد والتوزيع وحتى الرقابة، من خلال توظيف صيدليّين بالأجر والاسم فقط، دون أن يُمنحوا أدنى صلاحية لمراقبة جودة الأدوية أو صلاحيتها.
■ التاريخ يعيد نفسه: إسقاط الوزراء المزعجين
ما قاله ولد أعلى محمود لم يجرؤ أحد على قوله من قبل، رغم أن الجميع يعرف الحقيقة. لكنه يعلم – كما نعلم – أن الطريق أمامه مليء بالألغام، فقد أُطيح بوزراء سبقوه حين حاولوا كسر هيمنة نفس اللوبي.
الوزير نذيرو ولد حامد بدأ إصلاحًا جريئًا بتطبيق “قانون المسافة” الذي رفضه التجار رفضًا قاطعًا، فحاربوه بضراوة حتى تمت الإطاحة به.
وزير المالية السابق دفع ثمنًا مشابهًا حين تحدث عن منافسة غير شريفة من كبار التجار للبنك المركزي وسعيهم للتحكم في السوق النقدية، فغادر هو الآخر منصبه بهدوء بعد تلك التصريحات.
واليوم، يبدو أن التاريخ يتهيأ لإعادة المشهد نفسه، مع وزير جديد يرفع راية الإصلاح في وجه مافيا قديمة تمتلك من المال والنفوذ ما يُسقط الحكومات ويُسكت الأصوات.
■ هل يصمد الوزير أمام “لوبي الدواء”؟
في بلدٍ يخشى فيه النظام والقانون وحتى العامة مواجهة التجار، يصبح الحديث الصريح عن فسادهم مغامرةً سياسيةً محفوفة بالمخاطر.
لكن الوزير ولد أعلى محمود اختار أن يقول الحقيقة، لا على “ظهر الخيل”، بل تحت قبة البرلمان وأمام الشعب.
وإن لم يجد من يسانده، فقد يكون القادم “نذيرو جديد” يُسقطه المال قبل أن يُسقطه المنصب.
هل ستقف الدولة هذه المرة إلى جانب من أراد تنظيف قطاعٍ تحوّل إلى مرتع للسموم؟
أم أن المال سيواصل حكم الوطن من خلف الكواليس؟
الأسابيع القادمة كفيلة بالإجابة…








