علي قارعة الطريق ..عمال النظافة يتظاهرون ،طلبا لحقوقهم
.في صمتٍ مؤلم، وبعيدًا عن عدسات الكاميرا وضجيج المؤتمرات، يقف أكثر من 900 عامل نظافة في العاصمة نواكشوط على قارعة الطريق، ليس لتنظيفه كما اعتادوا، بل للبحث عن بصيص أمل بعد أن تُركوا دون عمل، دون حقوق، ودون حتى اعتراف رسمي بمعاناتهم.
هؤلاء العمال، الذين أفنوا سنواتٍ من عمرهم في خدمة المدينة، أصبحوا فجأة خارج المعادلة بعد أن قررت السلطات، ممثلة في وزارة الداخلية واللامركزية، إسناد صفقة النظافة لشركة مغربية جديدة، دون أي ضمانات لاستمرارية العاملين السابقين أو حماية حقوقهم الأساسية.
صفقة بلا ضمير؟
منح الصفقة لشركة أجنبية ليس المشكلة بحد ذاته، فالتعاون الخارجي قد يكون خيارًا مشروعًا لتحسين الأداء، لكن ما يثير الاستغراب – والاستياء – هو أن العقد المبرم تجاهل تمامًا مصير العاملين الموريتانيين، ولم يتضمن أي بند يلزم الشركة الجديدة بدمجهم أو حتى تعويضهم.
بل إن المفارقة المؤلمة أن حتى حقوق نهاية الخدمة من الشركة السابقة لم تصرف لهم بعد، وكأن سنوات من الجهد والتضحية تُمسح بجرة قلم.
من يتحمل المسؤولية؟
في مثل هذه الحالات، لا يمكن القفز على المسؤولية السياسية المباشرة التي يتحملها وزير الداخلية، محمد أحمد ولد محمد الأمين (ولد حويرثي)، الذي يُفترض أن يكون ضامنًا للعدالة الاجتماعية، وراعيًا للمصلحة العامة، لا مجرد مُوقع على العقود.
كان من واجبه – كما يراه كثير من المراقبين – أن يشترط في العقد الجديد حماية حقوق العمال، أو على الأقل ضمان تعويضهم عن فقدانهم للعمل. فهل أصبحت مصالح الشركات فوق حقوق المواطنين؟
البُعد الإنساني المسكوت عنه
وراء كل عامل نُزع من عمله، أسرة تنتظر لقمة العيش، وأطفال يُطردون من المدارس، ونساء ينتظرن نفقة الشهر. هؤلاء العمال لم يكونوا أرقامًا في سجل وظيفي، بل شرايين حياة لفئات واسعة من المجتمع الهش.
إن هذا الملف لا يتعلق فقط بنظافة الشوارع، بل بنظافة الضمير العام والمسؤولية الأخلاقية للدولة.
هل من أمل؟
تزداد الأصوات المطالِبة بإنصاف هؤلاء العمال، وفتح تحقيق شفاف في خلفية التعاقد مع الشركة الجديدة، وإعادة الاعتبار لحقوق الطبقة العاملة التي غالبًا ما تدفع ثمن السياسات المرتجلة والمصالح الضيقة.
إن التضامن مع عمال النظافة ليس مجرد تعاطف عابر، بل هو موقف مبدئي يعكس نوع المجتمع الذي نريده: مجتمعًا لا يُقصي الضعفاء، ولا يبيع كرامة مواطنيه في مزادات الصفقات.