باسكنو تخرج أثقالها ..حين تنطق الأرض بالذهب وتتبدل الموازين
“باسكو تخرج كنوزها: حين تنطق الأرض بالذهب وتتبدل الموازين”
تحليل إخباري من أقصي الشرق الموريتاني
في مشهد يثير الذهول والتأمل، ويستدعي في الأذهان قوله تعالى: “وأخرجت الأرض أثقالها”، تشهد منطقة باسكو الواقعة شرق مدينة النعمة هذه الأيام حدثًا استثنائيًا، إذ تفجّرت من باطنها كنوز مدفونة تقدر قيمتها بمليارات الأوقية، وفق شهود عيان ومصادر محلية.
تدفّق بشري غير مسبوق
فور تناقل الأنباء، تدفقت أفواج من المنقبين والمغامرين، قدموا من شتى أنحاء موريتانيا، وربما من دول الجوار أيضًا. حملهم الأمل في ثروة تغير المصير، ودفعهم العوز في بلد يعاني أكثر من نصف سكانه من الفقر وندرة الفرص.
لم تمنعهم وعورة الطريق ولا حرارة الصحراء، فالصراع اليوم ليس على حلم، بل على حفنة تراب قد تخفي حبيبات من ذهب.
مشهد يتبدّل فيه كل شيء
هنا في باسكو، تنقلب الموازين: من كان بالأمس فقيرًا معدمًا، بات يمتلك أدوات الحفر والتنقيب، وربما باع ما يملك ليحجز لنفسه “نقطة أمل”.
أما أصحاب النفوذ والجاه، فوجدوا أنفسهم أمام واقع جديد لا تحكمه القوانين ولا الألقاب، بل الحظ أولًا، والسبق إلى الأرض ثانيًا.
إنه زمن السيولة والانفلات، حيث ترتفع قيمة الإنسان بقدر ما يجد، لا بما يملك من علم أو موقع اجتماعي.
ثروة أم فتنة؟
لكن خلف هذا الاندفاع، تُطرح تساؤلات جوهرية: هل ما يحدث نعمة أم فتنة؟
لقد شهدت البلاد سابقًا مشاهد مماثلة في الشامي وتيجريت، ورافقتها فوضى، وتلوث، واستنزاف عشوائي للموارد.
واليوم، تعود الكرة في منطقة أكثر هشاشة من حيث البنية والرقابة.
يقول أحد شهود العيان: “الناس يحفرون دون أي ضوابط، ولا نرى أثرًا للسلطات، وكأن الدولة غائبة، أو تتفرج.”
مؤشرات خطر
غياب التأطير الرسمي: لا وجود حتى الآن لإطار تنظيمي واضح ينظم عملية التنقيب أو يضمن حقوق المنقبين.
احتمال نشوء صراعات محلية: التزاحم على الأرض يهدد بتفجر نزاعات قبلية أو جهوية في منطقة تعرف بنسيجها الاجتماعي الهش.
استغلال خارجي متوقّع: في ظل غياب الرقابة، قد تجد شبكات تهريب الذهب موطئ قدم في هذه الفوضى، مما يفقد البلاد ملايين من الدولارات.
أين الدولة؟
يبقى السؤال الأكبر: أين هي الدولة؟
هل تنتظر حتى تتفاقم الفوضى ثم تتدخل، أم تسعى منذ الآن إلى ضبط المسار، عبر:
تحديد مناطق مرخصة للتنقيب.
تأطير المنقبين وتوفير خدمات أساسية.
مراقبة تداول الذهب الخام وضمان تسويقه عبر قنوات رسمية.
ما يجري في باسكو ليس مجرد حدث محلي، بل ظاهرة وطنية تحمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية.
فإما أن يُحسن استثمار هذه اللحظة، وتُحوّل إلى فرصة تنموية عادلة،
وإما أن تُترك لتصبح شرارة انفلات وفوضى، تهدر الثروة وتعمّق الجراح.
محمد عبد الرحمن عبد الله
كاتب صحفي، انواكشوط