إنقلاب 10 يوليو : حركة تصحيحية أم نذير شؤم.؟!
انقلاب 10 يوليو: حركة تصحيحية أم نذير شؤم؟
بقلم: محمد عبدالرحمن عبدالله
كاتب صحفي
في العاشر من يوليو عام 1978، استفاق الموريتانيون على بيان أول انقلاب عسكري في تاريخهم، أطاح بحكم الرئيس المدني المختار ولد داداه، مؤسس الدولة الموريتانية، ورائد استقلالها.
تعددت الأوصاف والتبريرات، واختلفت الروايات.
منهم من رآه “حركة تصحيحية” انتشلت البلاد من هاوية الحرب والضيق الاقتصادي،
ومنهم من اعتبره “نقطة الانكسار”، حيث بدأت رحلة التيه، وتكرست سلطة العسكر، وانكمش الحلم الديمقراطي في مهد الدولة الفتية.
السياق الذي مهّد للانقلاب
كان الوطن يعيش في خضم أزمة متعددة الأوجه:
– الحرب في الصحراء ضد البوليساريو أنهكت الميزانية وخلّفت قتلى وجرحى.
– الاقتصاد يعاني من تراجع حاد، والأسعار تتصاعد، والمواطن يتحمّل العبء دون أفق.
– حالة من التململ داخل المؤسسة العسكرية، التي رأت أنها تُستنزف دون مقابل أو حماية.
في هذا الجو المشحون، جاءت الحركة العسكرية بقيادة المقدم مصطفى ولد السالك، ورفاقه، تحت شعار “إنقاذ البلاد من الانهيار”.
وقد استقبلها كثيرون حينها بترحيب حذر، على أمل أن تنهي الحروب وتعيد التوازن.
هل صحّحت الحركة مسار الدولة؟
بمرور الزمن، يتبين أن ما بدأ بـ”تصحيح” لم يكن إلا بابًا واسعًا لدخول العسكر إلى الحكم، واستمرارهم فيه حتى يومنا هذا – بشكل مباشر أو غير مباشر.
لم يُسترجَع المسار الديمقراطي، بل تحوّلت البلاد إلى حقل تجارب للانقلابات:
– 1979،
– 1980،
– 1981،
– 1984،
– ثم موجات جديدة في 2005 و2008…
كلها تستند إلى ذات الخطاب: إنقاذ، تصحيح، استقرار.
لكن الحقيقة المؤلمة هي أن المواطن ظلّ خارج الحسابات، وأن الدولة ظلت رهينة صراعات داخل المؤسسة العسكرية، لا داخل صناديق الاقتراع.
أثمان لا تزال تُدفع حتى اليوم
انقلاب 10 يوليو لم يُخرج البلاد من الأزمة، بل أدخلها في دائرة مفرغة من السلطوية، وتعطيل المؤسسات، وتهميش النخبة المدنية.
تم تغييب الحياة الحزبية، وقُيّدت الحريات، وصودرت أصوات المثقفين، وغُيّبت العدالة الاجتماعية، وحُوصرت الصحافة.
فقدت موريتانيا فرصة نادرة في بناء دولة مدنية مستقرة، كان يمكن أن تكون نموذجًا في المنطقة، لو لم يتدخل الرصاص في مسار السياسة.
حقيقة التصحيح… بعد 46 سنة
هل حقق الانقلاب ما وعد به؟
هل خرجت البلاد من الأزمات، أم دخلت في نفق جديد أكثر عتمة؟
هل أصبح الجيش حاميًا للدستور، أم لاعبًا سياسيًا يُمسك بخيوط اللعبة من وراء الستار؟
لا يمكن إنكار أن بعض فترات الحكم العسكري شهدت استقرارًا نسبيًا، أو إنجازات مرحلية…
لكن الثمن كان باهظًا:
– تآكل الثقة في الحكم،
– هشاشة المؤسسات،
– وتوارث الحكم بأساليب غير ديمقراطية،
– وانفصال واضح بين النخبة والشعب.
خاتمة: هل كان نذير شؤم؟
انقلاب 10 يوليو، بكل ما حمله من وعود في لحظته الأولى، تَحول مع الزمن إلى نقطة انعطاف سوداء في المسار الوطني.
كان نذير شؤم لأنه كسر القاعدة المدنية الأولى، وأدخل منطق القوة محل منطق الصندوق، والسلاح محل النقاش.
والأخطر: أنه شرعن الانقلاب كأداة “مقبولة” لتغيير الأنظمة، بدلًا من أدوات الإصلاح والمحاسبة والمؤسسات.
في ذكرى هذا اليوم، لا نحتاج إلى الاحتفال بالحدث، بل إلى وقفة صدق مع التاريخ،
نسأل فيها: ماذا خسرنا؟ ومتى نغلق هذا القوس؟ ومتى تستعيد موريتانيا حلمها بدولة مدنية، لا يتحكم فيها العسكر ولاتسمنها الخيبات.