قمة الفقروالموارد..لماذا دعي اترامب رؤساء خمس دول افريقية.؟!
قمة الفقر والموارد: لماذا استدعى ترامب رؤساء خمس دول إفريقية؟
محمد عبد الرحمن عبد الله
كاتب صحفي – نواكشوط
في مشهد بدا أقرب إلى “مقابلة توظيف سياسي”، اجتمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض بخمسة رؤساء أفارقة يمثلون دولاً تصنف ضمن أفقر بلدان العالم: موريتانيا، السنغال، ليبيريا، غينيا بيساو، والغابون.
الاجتماع، الذي عُقد خلف لافتة التبادل التجاري، أثار تساؤلات عميقة: هل كان الغرض حقاً تعزيز التعاون؟ أم أن وراء الدعوة ما وراءها من صفقات تُعدّ على موائد الكبار، وتُطبّق على ظهور الصغار؟
الواجهة: التجارة والاستثمار… ولكن؟
بدا ترامب كمن يقدم عرضاً في مزاد علني: إعفاءات ضريبية، شراكات في الزراعة والمعادن، وربما فرص لمشاريع بنية تحتية.
لكن حين يتعلّق الأمر بدول تعاني من ديون خانقة، ونسب بطالة تتجاوز 40%، ونظم حكم لا تعرف الشفافية، تصبح هذه “الصفقات” فخاخاً أكثر من كونها فرصاً.
فهل كان ترامب يسعى فعلاً إلى دعم التنمية؟ أم إلى اقتناص ثروات إفريقيا الرخيصة تحت غطاء “الشراكة”؟
الإجابة ربما تكمن في التفاصيل المغيّبة: المناجم النادرة، اتفاقيات الهجرة، وخرائط النفوذ الجيوسياسي.
المسكوت عنه: الهجرة والمقايضة
وفقًا لتقارير متقاطعة، طرحت واشنطن فكرة أن تتحول هذه الدول إلى “دول ثالثة آمنة”، تستقبل مهاجرين مرحّلين من أميركا، لاجئين من مناطق النزاع، أو حتى مقايضات مقابل مساعدات مالية.
هنا، يتضح أن جزءاً من اللقاء لم يكن عن التنمية، بل عن إيجاد “مخازن بشرية” خارج الأراضي الأميركية.
فيما يشبه الترحيل القسري النظيف من الناحية القانونية، والمشين من الناحية الأخلاقية.
الهدف الحقيقي: المعادن النادرة والنفوذ الصيني
تتسابق القوى الكبرى اليوم على “ذهب العصر الحديث” — الكوبالت، الليثيوم، النيكل — الضروري لصناعة البطاريات والتكنولوجيا.
الدول الخمس المدعوة تمتلك احتياطيات ضخمة من هذه الثروات، لكنها عاجزة عن استخراجها أو التفاوض عليها بشروط عادلة.
ترامب لم يخفِ ذلك، فقد صرح: “نريد شراكة مبنية على التجارة لا المساعدات.”
لكن التجارة هنا لا تبدو متكافئة. فالولايات المتحدة تبحث عن بدائل للصين وروسيا في تأمين احتياجاتها، وما أفريقيا إلا ساحة جديدة للصراع القديم بوجوه جديدة.
الطاولة أم قائمة الطعام؟
الحقيقة المؤلمة أن هذه الدول الخمس لم تكن “شركاء” في الحوار بقدر ما كنَّ “مواضيع” فيه.
ففي لقطة فاضحة، قطع ترامب حديث الرئيس الموريتاني طالباً منه “الاختصار”، وكأن اللقاء لا يتسع لصوت الجنوب، إلا إذا كان مطواعاً وسريعاً ومربحاً.
وفي لحظة أخرى أثارت الاستهجان، سأل ترامب الرئيس الليبيري “من أين تعلمت الإنجليزية؟”، متجاهلاً أن ليبيريا تأسست على يد عبيد محررين من أمريكا، وأن الإنجليزية لغتها الرسمية منذ قرنين!
الغباء الاستراتيجي: حين نقبل بالأدوار الدنيا
المؤلم أن كثيراً من هذه الدول استجابت للدعوة دون رؤية واضحة، ولا خطة تفاوض، ولا خطوط حمراء.
تبدو كما لو أنها جاءت تطلب القبول، لا لتقترح الشروط.
والأدهى أن النخب السياسية والإعلامية في بعض هذه الدول، احتفلت بالدعوة كـ”شرف كبير”، في مشهد يعكس هشاشة الوعي السيادي، وسقوط مفهوم الكرامة السياسية.
في الختام: من يستدعي من؟
حين تستدعي قوة عظمى دولًا فقيرة إلى طاولة مغلقة، يجب أن نسأل:
من يملك الورقة؟ ومن يُملى عليه الشروط؟
هل هذه الشراكات تكافؤ في المصالح، أم هي إعادة إنتاج لاستعمار من نوع جديد، يرتدي بدلة وربطة عنق ويبتسم للكاميرات؟
ترامب لا يمنح صدقات. هو رجل صفقات. وإذا لم تستفق القارة، فستتحول مواردها إلى جوائز ترضية تُوزع على القوى الكبرى، بينما تبقى الشعوب تكتوي بنار الجوع والتبعية… و”المساعدات المشروطة”.
الدول التي لا تضع سياساتها بيدها، ستكون دائماً أوراقاً في جيب الآخرين… وتُستدعى حينما تدعو الحاجة.