مقالات

حكومة ول أجاي..الترف في الأعلي،والخراب في الأسفل.!

حكومة ولد أجاي.. الترف في الأعلى والخراب في الأسفل

محمد عبدالرحمن عبدالله
كاتب صحفي

في موريتانيا، حين يُذكر اسم حكومة “ولد أجاي”، لا يتبادر إلى ذهن المواطن البسيط سوى صور البذخ في الأعلى، والمأساة في الأسفل. حكومة اختارت أن تعيش في عالمها الخاص، بعيداً عن نبض الشارع، عن ضجيج البطالة، وجراح الفقر، وعن أنين آلاف العائلات التي تنتظر أن تفتح السماء نافذة رحمة، بعدما أغلقت الحكومة أبواب الأمل.

في أعلى الهرم، حيث المكاتب المكيّفة، والسيارات الفارهة، والمآدب العامرة، لا تُعرف الأزمات إلا كأرقام تُدرج في التقارير، أو جمل تُنطق في المؤتمرات الصحفية بلغة خشبية، لا تعكس غير الجهل بمعاناة الناس. هناك، تُصرف المليارات في “الاجتماعات” و”الورشات” و”الزيارات الرسمية”، بينما يضطر موظفو التعليم والصحة إلى الإضراب من أجل رواتب هزيلة لا تكفي أسبوعاً.

لقد بنت حكومة ولد أجاي نموذجاً غريباً في التسيير: رفاهية للحاشية، وتقشف للشعب. في زمنها تضاعفت مظاهر الثراء الفاحش في الطبقة السياسية، بينما تساقطت الطبقات الفقيرة في دوائر الجوع، وتفككت الطبقة المتوسطة تحت ضغط الضرائب، وغياب فرص الحياة الكريمة.

فهل سمع أحدٌ منكم بمليار أوقية خُصصت لترميم مدرسة متهالكة في أحد أحياء نواكشوط الفقيرة؟
لكننا نسمع عن مليارات تُصرف على الولائم، وتزيين المقرات، وتأثيث المكاتب الجديدة لوزير جديد لم يأتِ بشيء جديد.

في الأسفل، حيث يقف المواطن عند أبواب المستشفيات ينتظر سريراً، أو عند شبابيك الإدارات يطارد توقيعاً، أو في طوابير الماء والخبز والكهرباء.. لا أحد يسمعه.
في الأسفل، تتراكم النفايات في الأحياء، وتتآكل المدارس، وتُطفأ الأضواء عن أحياء كاملة بحجة “خلل فني”.
في الأسفل، يُعامل المواطن وكأنه مجرد رقم، أو رقم فائض.

وفي الأعلى، تسكن السلطة بين صالات الاستقبال وموائد الكافيار، وتتناسى أن السياسة ليست ترفاً، بل التزام أخلاقي، ومسؤولية وطنية.
حكومة ولد أجاي كانت – وربما لا تزال – تجيد لعبة الأرقام المضللة، تُخفي الأزمات خلف نسب نمو وميزانيات متضخمة، لكنها عاجزة عن إطعام جائع، أو إنقاذ مريض، أو تعليم طفل.

لقد أنتجت تلك السياسة واقعاً من الانفصال بين الدولة والمجتمع، حيث باتت موريتانيا بلداً من طبقتين:

طبقة عليا تستنزف ما تبقى من مقدرات

وطبقة سفلى تنزف كرامتها كل يوم.

أليس في هذا الوطن من يوقف هذا العبث؟
أما آن للترف أن ينزل قليلاً، وللألم أن يُسمع في الأعلى؟

حين لا تكون الحكومة في خدمة الشعب، تصبح عبئاً عليه.
وحين تتحول مؤسسات الدولة إلى أدوات ترف وتلميع، فإن الخراب يصبح نتيجة حتمية، لا مجرد احتمال.

فمن يصلح ما أفسدته حكومة استثمرت في البهرجة، ودفنت البسطاء في ركام التجاهل؟
ومن يرد لموريتانيا وجهها الحقيقي، حيث الإنسان أولاً، لا الموكب ولا الوليمة؟

نحو فجرٍ لا يُدار فيه الوطن كوليمة

لم يعد من المقبول أن تُدار الدولة كأنها شركة خاصة أو مأدبة مغلقة لا يدخلها إلا المقرّبون.
موريتانيا ليست عقاراً موروثاً، ولا حقلاً خاصاً لهذا الوزير أو ذاك المسؤول.
هي وطن… وطنٌ يجب أن يكون للجميع، لا لقلة تحتكر السلطة، والثروة، والحلم.

لقد دفع الفقراء الثمن مراراً، وسُحق الشباب تحت عجلات البطالة والتهميش، وذابت كرامة النساء في طوابير المستشفيات والمحاكم والماء والخبز.
فمن يُحاسب من دمّر الحلم؟ من يوقف هذا النزيف في مؤسسات الدولة؟ من يعيد للسياسة معناها النبيل: خدمة الشعب، لا استنزافه؟

المساءلة ليست ترفاً، بل ضرورة لبقاء الوطن حيّاً.
والتغيير ليس وهماً، بل حقّ مشروع لشعبٍ صبر كثيراً، وصُمّت آذان الحكومات عن وجعه.

ربما لا تملك الشعوب دائماً القوة… لكن التاريخ علمنا أن صوت الجائع أقوى من ضجيج الموكب، وأن دمعة يتيم أصدق من ألف بيان رسمي.

فيا من في يدكم القرار اليوم، تذكّروا:
الترف لا يدوم،
والكرسي لا يخلُد،
والشعب حين يصحو، لا يُخدع مرة أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى