شركة السكر الموريتانية: مشروع بلا إنتاج أم مغارة لابتلاع المال العام؟”
تقرير :
محمد عبد الرحمن عبد الله
كاتب صحفي
في بلدٍ يتأرجح بين الفقر والرجاء، وبين وعود التنمية وواقع الفساد، تبرز قصة شركة السكر الموريتانية كأحد أكثر المشاريع غموضًا وإثارة للشكوك. شركة وُلدت من رحم حاجة وطنية مُلحّة، وابتلعت ما يقارب 700 مليون أوقية قديمة من المال العام، لكنها لم تُنتج ـ منذ تأسيسها وحتى اليوم ـ غرامًا واحدًا من السكر.
فأين ذهب المال؟ ومن المسؤول؟ وهل نحن أمام مشروع تنموي فاشل… أم مجرد واجهة لتدوير الأموال داخل “دائرة النفوذ”؟
■ وهم التنمية.. وواقع “التدوير العائلي”
تم تقديم شركة السكر الموريتانية على أنها مشروع استراتيجي سيُسهم في تقليص التبعية الخارجية للسكر، وسيدعم الأمن الغذائي ويوفر فرص العمل، خاصة في المناطق الزراعية.
لكن ما إن بدأت تتضح ملامح التسيير الداخلي، حتى تحول الحلم التنموي إلى ما يُشبه شركة عائلية مغلقة.
فقد أُسندت إدارتها إلى تقي الله ولد أحمد غايب، فيما تولت شقيقته توت بنت أحمد غايب ـ النائبة السابقة عن مقاطعة آمرج ـ مواقع متقدمة في التسيير والمتابعة.
هيكل إداري يُوحي بتكريس المحسوبية، وتهميش الكفاءات، في مؤسسة كان من المفترض أن تُدار بمعايير مهنية واقتصادية دقيقة.
■ 700 مليون أوقية.. تتبخر في الهواء
تشير الوثائق المالية إلى أن الشركة حصلت على تمويل يقارب 700 مليون أوقية قديمة، إلا أن الواقع على الأرض لا يعكس إطلاقًا هذا الرقم الضخم:
لا مصانع، لا تجهيزات، لا دراسات جدوى مستقلة.
لا تقارير دورية، ولا نشاطات إنتاجية تُذكر.
الحساب البنكي الرسمي للشركة شبه فارغ، في حين تتضخم الشبهات حول صرف الميزانية في أمور غير واضحة.
فأين ذهب المال؟ وهل تم فتح أي تحقيق برلماني أو قضائي؟ الصمت الرسمي حتى الآن يُثير الريبة أكثر مما يُطمئن.
■ صمت الحكومة.. وتواطؤ الرقابة؟
رغم كل ما يُثار عن شبهات الفساد، لم تصدر الحكومة أي بيان توضيحي، كما أن المؤسسات الرقابية تبدو غائبة أو مغيّبة.
ولم تُفعّل حتى اللحظة هيئة محاربة الفساد أي مسطرة للتحقيق في هذا الملف، وكأن الشركة تقف فوق المساءلة والمحاسبة.
أليس من حق الشعب أن يعرف من ابتلع هذه الأموال؟
وهل التنمية في موريتانيا مجرد “يافطة” براقة تخفي وراءها شبكات نفوذ عائلية تمتص المال العام باسم المشاريع الكبرى؟
■ في انتظار الحقيقة.. أم في انتظار نسيان جديد؟
قصة شركة السكر ليست حالة معزولة. إنها واحدة من سلسلة مشاريع تنموية وُلدت ميتة، أو أُجهضت بفعل سوء التسيير، أو تحولت إلى آلية لتوزيع الريع داخل دوائر ضيقة.
لكن السكوت عن هذه الفضائح لن يصنع تنمية، ولن يُعيد الثقة بين المواطن والدولة.
إما أن تُفتح ملفات الفساد وتُستعاد الأموال،
وإما أن نظل ندفع من جيوب الفقراء فاتورة مشاريع لا تُنتج سوى الخيبة.
هل نحتاج إلى مصنع للسكر؟
نعم، وبكل تأكيد.
لكننا نحتاج أولًا إلى تطهير مؤسساتنا من الفساد، لأن تنمية تُبنى على المحسوبية… لن تنتج إلا الهشيم.والخراب.