قمة مالابو.. إفريقيا تبحث عن العدالة بين أطلال التاريخ وأحلام الوحدة
تقرير: محمد عبد الرحمن عبد الله
كاتب صحفي، أنواكشوط
في مدينة مالابو، عاصمة غينيا الاستوائية، حيث تلتقي غابات أفريقيا الكثيفة برائحة البحر الأطلسي، اجتمع قادة القارة السمراء على طاولة واحدة، يناقشون جراحهم المزمنة ويبحثون عن مستقبل طال انتظاره. قمة الاتحاد الإفريقي التنسيقية السابعة، التي انعقدت هذا يوليو، لم تكن مجرد اجتماع روتيني ضمن أجندة بروتوكولية، بل كانت وقفة أمام مرآة الذاكرة، حيث التاريخ المثقل بالنهب والاستعمار، والحاضر المرهق بالتبعية والانقسام، والمستقبل المحاصر بين طموحات التنمية وحقائق العجز المؤسسي.
العدالة الغائبة.. شعار القمة
تحت شعار لافت: “العدالة للأفارقة ومن أصل أفريقي من خلال التعويضات”، طرحت القمة واحدًا من أعقد الملفات وأكثرها إلحاحًا: قضية التعويضات عن قرون من الاستعباد والاستغلال ونهب الموارد. لأول مرة، تتحدث القارة رسميًا عن حقها في استرداد ليس فقط الأموال والمقتنيات المنهوبة، بل الكرامة والعدالة المهدورة. لكن، من سيعوض أفريقيا؟ ومتى؟ وبأي آليات؟ وهل هناك إرادة دولية لفتح هذا الجرح العميق أصلًا؟
زعماء القارة.. حضورٌ ثقيل وأسئلة مُعلّقة
كان لافتًا حضور شخصيات بارزة مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي تحدث عن ارتباط السلم بالتنمية، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي أكد في كواليس اللقاءات الثنائية على أهمية تعزيز الاندماج الإقليمي. لكن خلف عدسات الكاميرات، ظلّت الأسئلة الحقيقية تطوف في الأروقة: كيف يمكن للاتحاد الإفريقي أن يحقق التكامل بينما تعاني دوله من الانقسامات والنزاعات؟ كيف نطالب بتعويضات من العالم ونحن لم ننجح بعد في وضع خطة جماعية لمكافحة الفقر والجوع والبطالة؟
التكامل القاري.. حلمٌ مؤجل
القمة ناقشت أيضًا تقدم “منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية” (AfCFTA)، وهو المشروع الذي يُفترض أن يكون قاطرة التكامل الاقتصادي، لكنه ما زال يراوح مكانه وسط تحديات البيروقراطية والنزاعات الحدودية والافتقار إلى البنى التحتية. وتحدثت القمة عن ميزانية للاتحاد لعام 2026 تقارب 800 مليون دولار، لكن هذه الأرقام تبقى باهتة أمام حجم التحديات والمآسي التي تعيشها شعوب القارة يوميًا.
الناس لا ينتظرون البيانات الختامية
في أحد الأحياء الفقيرة بمدينة كوناكري أو نواكشوط أو لواندا، لا أحد يسمع عن “قمة مالابو”. الناس هناك مشغولون بتأمين لقمة اليوم وماء الغد، بينما القادة يوقعون على وثائق لا تصل صداها إلا إلى أرشيف الدبلوماسيين. ومتى سيتحوّل خطاب القمم إلى فعل؟ متى تصبح العدالة مشروعًا سياسيًا حقيقيًا لا شعارًا مناسباتيًا؟ متى نرى إفريقيا تُعالج أزماتها بأدواتها لا بوصاية من الخارج؟
الختام.. بين الأمل والتكرار
قمة مالابو تنتهي، ويعود القادة إلى عواصمهم، حالمين بوحدة قارية لا تزال قيد الإنشاء. ورغم النوايا الحسنة، يبقى الواقع أكثر تعقيدًا من البيانات الختامية. فالتحدي الأكبر ليس ما قيل في القمة، بل ما سيتم تنفيذه بعدها. وإذا لم تتحوّل المطالب بالعدالة إلى سياسات، والتكامل إلى طرق وسكك وموانئ فعلية، فإن قمة مالابو ستُضاف إلى سجل طويل من الاجتماعات التي قالت كل شيء.. إلا الحقيقة الملموسة.