مجتمع البظان: بين التقاليد العميقة .. ومعادات المدنية والحداثة !
نواكشوط – تحقيق صحفي
محمدعبد الرحمن ول عبدالله
مجتمع” البظان” في موريتانيا او الناطقين بالحسانية بشكل أعم وأكثر دقة .ليس مجرد مجموعة بشرية عابرة في التاريخ، بل هو حالة فريدة أثارت حيرة الباحثين وعلماء الاجتماع والتاريخ على حد سواء. مجتمع يحافظ على هويته وعاداته الخاصة رغم الضغوط الخارجية، ويبدو كأنه يعيش خارج الزمن الحديث، متحديًا محاولات الدولة المركزية لدمجه في منظومة الحكم والتحديث الاقتصادي.والإجتماعي.
يعيش مجتمع البظان منذو عصور داخل حيز جغرافي كبير،يمتد من جنوب المغرب،والصحراء الغربية وجنوب الجزاير (ولاية تمنراست،ولاية برج باجي المختار،ولاية تيندوف،ولاية وركله، وحاسي مسعود،)وتشكل موريتانيا منطقة تمركزهم ومنطلق ثقافتهم وتراثهم. إضافة لوسط وشمال مالي،والنيجر،ومناطق عديدة من السينغال خصوصا منطقة انجامبور(وسط السينغال،وانجامبور مصطلح باللغة الولفية،يطلق علي الخليط الاجتماعي المكون،من عدة اعراق)ولديهم تواجد كبير في داكار الكبري وشمال السينغال.
■ بين الأسرة الضيقة، والقبيلة المتمددة.
تنظيم البظان الاجتماعي قائم على الأسرة الضيقة،والقبيلة الممتدة، حيث يحدد الانتماء الاجتماعي مكانة الفرد في شبكة معقدة من الأعراف والولاءات.والتقاليد المتوارثة، هذه الهياكل التقليدية تجعل الدولة الحديثة عاجزة عن فرض سيطرتها الحقيقية، إذ يعتمد المجتمع على المشائخ،والأمراء، شيوخ القبائل ورجال الدين في إدارة النزاعات وتسيير شؤون الحياة اليومية.وللقبيلة حيزها الجغرافي والإقتصادي،ومناطق نفوذها وتتعامل الدولة الموريتانية مع هذا الواقع الغريب، الذي.ظل سببا مباشرا لنزاعات ومواجهات عشائرية قديما. حديثا في مناطق عدة من البلاد.
في حوار مع أحد الباحثين الموريتانيين، قال:
“البظان يديرون حياتهم وفق نظام داخلي محكم، حيث للمراتب الدينية والروحية تأثير أكبر من المال أو المناصب الرسمية. أي تدخل خارجي غالبًا ما يُقابل بالمقاومة أو التجاهل.” والرفض!
هذه السلطة الروحية والرمزية تجعل المجتمع مغلقًا إلى حد كبير عن العالم الخارجي، ويصعب على أي قوة خارجية فهم ديناميكياته الداخلية، ناهيك عن السيطرة عليه.او إحتوائه.
■ الدين والروحانية: حارس الهوية
لا يمكن فهم مجتمع البظان دون التطرق إلى البعد الديني. فالدين هنا ليس مجرد ممارسة فردية، بل عمود فقري للهوية الاجتماعية. الاحتفالات الجماعية والطقوس الإجتماعية، الصوفية ، تشكّل وسيلة لضبط السلوك الاجتماعي وتقوية الانتماء القبلي.
وفقًا لملاحظات الباحث الفرنسي بول مارتي، Poll Marty
( بول مارتي (1882–1938) عمل في موريتانيا، ضابطًا فرنسيًا في الإدارة الاستعماريةمتخصصا في علم الإجتماع، ومؤلفًا بارزًا تناول مواضيع الإسلام والقبائل في غرب إفريقيا خلال النصف الأول من القرن العشرين،)
فإن رجال الدين في مجتمع البظان لا يقتصر دورهم على التوجيه الروحي، بل هم وسيلة للحكم الفعلي داخل المجتمع. أي نزاع بين الأفراد أو الأسر غالبًا ما يتم تسويته عبر المراجع الدينية، وليس عبر مؤسسات الدولة أو القانون الرسمي.
هنا يظهر التناقض: بينما تطمح الدولة إلى توحيد المجتمع وفق القوانين المركزية, يصر البظان على تطبيق الأعراف والتقاليد، والمرجعيات الدينية الخاصة بهم. هذا الصراع بين التقاليد والحداثة لم يتم حله بعد، ويظل أحد أكبر تحديات دمج البظان في المنظومة الوطنية.لذالك نجد أن الولاء القبلي اقوي عندهم من الولاء الوطني.!!
■ الاقتصاد التقليدي: استقلال أم عزلة؟
“الاقتصاد البظاني” قديما قائم أساسًا على الرعي وتربية الماشية، مع بعض الأنشطة التجارية المحدودة. هذا النمط ساعدهم على الحفاظ على استقلالهم الذاتي، لكنه أيضًا جعلهم عرضة للتقلبات المناخية والفقر.وضعف الإنتاجية .
الاستقلالية الاقتصادية للبظان تُفسر جزئيًا صمودهم أمام محاولات الدولة للسيطرة، لكن هذا الاستقلالية تأتي بثمن. فالتنمية الاقتصادية محدودة، والتعليم الرسمي لم ينتشر بالشكل الكافي، ما يولّد فجوة معرفية بين الأجيال ويزيد من صعوبة اندماجهم في الدولة الحديثة.
■ الدولة والتحدي المستمر
تاريخيًا، قاوم البظان أي محاولات للسيطرة المباشرة من قوى خارجية. خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية، حاولت السلطات فرض نظام إداري مركزي، لكن البظان حافظوا على استقلالية شبه كاملة عبر الالتزام بشيوخهم وممارساتهم الروحية،والإجتماعية.
اليوم، يواجه المجتمع تحديات مماثلة مع الدولة الحديثة:
■ الاندماج السياسي: الولاء للقبيلة يعيق الانخراط في مؤسسات الدولة.
■ الخدمات العامة: نقص المدارس والمراكز الصحية يجعل المجتمع يعتمد على ذاته.
التنمية الاقتصادية: محدودية الفرص وضعف البنية التحتية يحافظان على عزلة البظان نسبيًا عن الأسواق الوطنية.
■ نقد الواقع: هل المجتمع ضحية أم فاعل؟
في التحليل النهائي، يبدو أن البظان مجتمع يحافظ على تراثه وكيانه الاجتماعي بصرامة, لكنه في الوقت نفسه يعاني من انعزال اقتصادي واجتماعي. بعض النقاد يشيرون إلى أن رفض الانخراط الكامل في الدولة الحديثة جعل البظان يشبهون مجتمعًا أسيرًا لماضيه، حيث تُسخر التقاليد والفهم الخاطئ لبعض النصوص،الدينية، أحيانًا كحاجز أمام التقدم والتحديث.
في المقابل، يعتبر الباحثون أن مرونة البظان الداخلية وصلابتهم أمام الخارج دليل على حكمة اجتماعية متجذرة، تمكنهم من البقاء على قيد الحياة والاستقلال في بيئة سياسية متقلبة.
مجتمع البظان حالة استثنائية في موريتانيا، يمثل تجربة مستمرة منذو قرون، للصراع بين التقاليد والحداثة، بين السلطة الدينية والسياسية، بين الاستقلالية الاقتصادية والاعتماد على الدولة. فهم هذا المجتمع يتطلب الاقتراب منه بلغة التحليل النقدي، وليس الاكتفاء بالنظرة السطحية للموروث أو السلطة الرسمية.
في نهاية المطاف، تظل تجربة البظان مرآة تعكس التحديات التي تواجه المجتمعات التقليدية في العالم العربي والإفريقي: كيف تحافظ على هويتها وسط الضغوط الحديثة، وكيف توازن بين الانفتاح على الدولة والتمسك بخصوصيتها الثقافية والدينية.والإجتماعية.
ويمكن تقديم تحليل مفصل للتراتبية الاجتماعية في مجتمع البظان، قديما ،مع التركيز على عناصر السلطة، الدين، الاقتصاد، والعلاقات الاجتماعية.
1. الهيكل الطبقي والاجتماعي
مجتمع البظان القديم – المعروف في الدراسات الإثنوغرافية خاصة عند الباحث الفرنسي بول مارتي –Poll Marty , يتميز بنظام اجتماعي هرمي صارم يعتمد على الانتماء القبلي، النسب، والمكانة الدينية. يمكن تقسيم المجتمع إلى عدة طبقات رئيسية:
النخبة الدينية (الأشراف،العلماء ،الزوايا والعرب ):
هؤلاء يشكلون أعلى الطبقات الاجتماعية، ويستمدون نفوذهم من المعرفة الدينية وامتلاك مراكز تعليمية (الكتاتيب ،الزوايا الإمامة والقضاء ). لديهم قدرة على التأثير على القرارات المجتمعية والسلطة التقليدية، ويحتلون مكانة معنوية أعلى من زعماء القبائل في بعض السياقات.اضافة لذالك يستمد العرب نفوذهم من قوتهم العسكرية وتتوفر بعض القبائل العربية علي “نخبة دينية”
تضم علماء وقضاة وهي ظاهرة رغم ندرتها إلا أنها تشكل نوعا من الاعتماد علي النفس والاستقلال الديني عن نفوذ الزوايا.الكثير من قبائل الزوايا يعتمدون علي حلفائهم من العرب،في كل مايتعلق بالدفاع والامن،لكن توجد قبائل محاربة من الزوايا تدافع عن نفسها دون تدخل خارجي.يطلق عليها، فئة، الزوايا المحاربون وهي بالخصوص : تجكانت ،كنتة، ايدوالحاج، لقلال ،اولاد ابيري ،إجمان، ايدجب.
■ الزعماء التقليديون (الأعيان ورؤساء العشائر):
هذه الطبقة تتولى السلطة السياسية والإدارية على نطاق قبلي. يسيطرون على الموارد المحلية، وينظمون العلاقات بين أفراد القبيلة. مكانتهم تعتمد على التراث، الشرف العائلي، وقوة النفوذ الاجتماعي.
■ الفلاحون والرعاة:
يشكلون الطبقة الوسطى – بالنسبة للمجتمع التقليدي – ويتوزعون بين الرعي الزراعي والرعي البدوي. لديهم استقلالية محدودة في القرارات الاقتصادية، وغالبًا ما يكونون تابعين للزعماء في دفع الضرائب أو تقديم الخدمات،والولاء.
ثم تأتي طبقة الفنانون والصناع التقليديون،فبينما يقوم الصناع بصناعة وتوفير كل الأدوات واللوازم والسلاح.
يشكل الفنانون الفئة الثقافية والإعلامية التي يقع علي عاتقها رفع المعنويات وحفظ الأمجاد.وتخليد البطولات.
(سواء كانت أمجاد حقيقية ام أسطورية ! )
الطبقة الأدنى (الخدم والعبيد سابقًا):
تشمل هذه الفئة من يعتمدون على العمل اليدوي في خدمة النخبة، مثل الرعي أو الحرف التقليدية. لديهم حرية محدودة، وغالبًا ما تُحدد خياراتهم الاجتماعية والإقتصادية، طبقًا لرغبة الطبقات العليا.
■ الدين والسلطة الرمزية
الدين الإسلامي يلعب دورًا محوريًا في تحديد التراتبية:
العلماء والمشايخ يُعدون مرجعيات شرعية لكل التعاملات اليومية، ويكسبون بذلك سلطة رمزية تفوق أحيانًا السلطة السياسية للزعماء.
الزوايا الدينية تعمل كـ “مراكز قوة موازية”، حيث يمكن للعلماء التأثير على القبائل من خلال الفتاوى والقضاء. والتعليم الديني.
■ السلطة الاقتصادية
السيطرة على الثروة الحيوانية (الإبل، الابقار،الأغنام) تعد مؤشرًا مهمًا على المكانة الاقتصادية والاجتماعية.
النخبة تمتلك الموارد الكبرى، بينما الطبقات الأدنى غالبًا ما تظل تعتمد على صلاتها بالزعماء أو العلماء لضمان البقاء الاقتصادي.
■ التراتبية النسبية والتأثير السياسي
الانتماء العائلي والقبلي يُحدد بشكل مباشر إمكانية الوصول للسلطة والمناصب.
السلطة التقليدية غالبًا ما تكون مغلقة ومحافظة، حيث تورّث المناصب داخل العائلات الكبيرة.
هناك ديناميكية محدودة للتغيير الاجتماعي، في العصر الحديث،بسبب، التحولات الاقتصادية و تأثير التعليم والوظائف،الحكومية،والمال.تحدثا خرقا في نظم القبيلة،وتراتبيتها.
■ الصراعات والتحولات
في مجتمع البظان، الصراعات غالبًا ما تدور بين النخبة الدينية والزعماء القبليين على النفوذ الرمزي الإجتماعي والسياسي.
التغيرات الاقتصادية الحديثة (التمدن، التعليم، التجارة) بدأت تُعيد تشكيل التراتبية الاجتماعية، لكنها لا تزال محدودة مقارنة بالتقاليد الراسخة.