أخبار وطنية

قراءة في التعديل الوزاري الجديد: غزواني رهين ، التوازنات القبلية والجهوية

محمدعبدالرحمن ول عبدالله
كاتب صحفي ، أنواكشوط

لم يأتِ التعديل الوزاري الأخير في موريتانيا خارج السياق السياسي والاجتماعي العام الذي يطبع فترة حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. فبدل أن يكون مناسبة لطرح رؤية جديدة تعكس أولوية الإصلاح ومحاربة الفساد وتحسين الأداء الحكومي، بدا التعديل أقرب إلى توزيع جديد لمقاعد في لعبة توازنات معقدة، حيث تُستحضر القبيلة والجهة أكثر من استحضار الكفاءة والبرنامج.

من يقرأ في خريطة الأسماء يجد أن كل حقيبة وزارية تكاد تكون محكومة بـ”ميزان حساس”: شمال مقابل جنوب، شرق في مقابل غرب، عرب في مقابل زنوج، قبائل كبرى مقابل قبائل صغرى. هذه الحسابات القديمة ما تزال تحكم ماكينة الدولة، لتعيد إنتاج معادلة: الولاء أولاً، والكفاءة ثانياً وربما أخيراً.

الرئيس غزواني، الذي يقدَّم عادةً على أنه أكثر هدوءاً وحرصاً على التوافق من سلفه، يبدو أنه يختار المضي في سياسة “إرضاء الجميع ولو جزئياً”، عوض أن يغامر بإحداث قطيعة مع منظومة التوازنات التقليدية. صحيح أن هذا الأسلوب قد يضمن استقراراً سياسياً مرحلياً، لكنه في الوقت نفسه يعمّق ثقافة المحاصصة ويكرّس صورة الدولة كغنيمة، لا كمؤسسة جامعة تقوم على معايير واضحة.

اللافت في التعديل الأخير هو غياب أي مفاجآت كبرى أو شخصيات إصلاحية ذات وزن فكري أو سياسي يمكن أن تضيف زخماً لمسار الدولة. فجميع التعيينات تكاد تخضع لنفس القاعدة غير المعلنة: من يملك ظهر القبيلة، أو نفوذ الجهة، أو شبكة العلاقات داخل النظام، يجد مكاناً في الحكومة.

أما المواطن البسيط، الذي ينتظر إصلاح التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية، فلا يجد نفسه ممثلاً في هذه الحسابات. لأن حاجاته لا تُدرج في خانة “التوازنات” بل تُترك لخطابات المناسبات. وهكذا تتحول التعديلات الوزارية إلى رسائل موجهة للنخب التقليدية أكثر مما هي حلول لمشاكل الناس اليومية.

قد يُقال إن النظام السياسي الموريتاني لا يمكن أن يتجاهل البنية القبلية والجهوية للمجتمع، وهذا صحيح. لكن السؤال الجوهري: هل يمكن بناء دولة حديثة بكفاءات مستقلة وفاعلة، إذا ظلّ معيار القبيلة والجهة هو الموجّه الأول لاختيار الوزراء؟

● التعديل الوزاري الأخير لم يكن مجرد عملية تغيير أسماء، بل تكريس لنهج قديم، يثبت أن الرئيس غزواني حريص على السير في طريق التوازنات الهشة، أكثر من جرأته على فتح طريق الإصلاح العميق.

زر الذهاب إلى الأعلى