أخبار وطنية

الاعتذار المتأخر لولد حدمين: تلميع صورة أم مراجعة صادقة؟

● السلطة والخصومة مع الصحافة

من يتأمل مسار الوزير الأول الأسبق محمد ولد حدمين، يدرك أنه لم يكن على وئام مع الصحافة ولا مع رجال الفكر، وهي خصومة تقاسمها مع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز. كلاهما نظر إلى الإعلام باعتباره مصدر إزعاج لا أداة رقابة، وتعامل مع المثقف باعتباره خصمًا لا شريكًا في بناء الدولة. وفي ظل هذا النهج، عاش الإعلام الموريتاني سنوات من التضييق، حيث وُصمت الكلمة الحرة بالمشاكسة، وأُقصي الصوت النقدي من دوائر القرار.

● بعد فوات الأوان

اليوم، وبعد أن طويت صفحة العشرية، خرج ولد حدمين في مقابلة يسعى من خلالها إلى تحسين صورته والتقرب من الرأي العام. بدا كمن يقدم اعتذارًا ضمنيًا عن مواقف سابقة، لكنه اعتذار متأخر جدًا. فالمجتمع يتساءل: لماذا لم يصدر هذا الموقف يوم كان الرجل في قلب السلطة؟ لماذا لم يفتح باب الحوار مع الإعلام والمفكرين حين كان قادرًا على تحويل الشعارات إلى سياسات؟

● الاعتذار وسؤال المصداقية

الاعتذار في حد ذاته قيمة إنسانية وأخلاقية، لكنه يفقد معناه حين يأتي بعد فقدان النفوذ، وبعد أن يخرج صاحبه من ساحة القرار. يصبح أقرب إلى محاولة تلميع الذات، وكتابة رواية جديدة للتاريخ، منه إلى مراجعة نقدية صادقة. فالصحافة التي همّشت، والمثقفون الذين أُقصوا، والمجتمع الذي حُرم من الرأي الآخر، لا يمكن أن ينسوا بسهولة جدار العداء الذي بُني ضدهم لسنوات.

● الدرس الأعمق

قصة ولد حدمين ليست حالة فردية، بل تكشف عن إشكالية أعمق في التجربة السياسية الموريتانية: كيف يتعامل المسؤول مع الرأي الحر حين يكون في السلطة؟ وكيف ينقلب على مواقفه بعد مغادرتها؟ إن الاعتذار بعد فوات الأوان لا يغير شيئًا من ذاكرة الناس، بل يرسخ فكرة أن السلطة عندنا لا ترى في الصحافة والمفكرين إلا أعداء مؤقتين، تعود لاسترضائهم حين تنتهي اللعبة.

● خاتمة

الاعتذار جميل حين يكون شجاعًا وصادقًا وفي الوقت المناسب، أما حين يأتي متأخرًا فإنه يظل مجرد تمرين على تلميع الصورة. وبدل أن ينشغل الساسة بمحو آثار الماضي بالكلمات، الأجدى أن يتعلموا الدرس: لا سلطة تدوم، ولا ذاكرة شعب تُشترى بعد أن جُرحت.

زر الذهاب إلى الأعلى