خفض ضرائب التبغ… حين تنحاز الدولة إلى الدخان بدل الإنسان
خاص، الاتحاد
في مشهدٍ لا يخلو من المفارقة، أقدمت الدولة الموريتانية – وفق ما كشفه الصحفي الهيبة الشيخ سيداتي – على خفض الضرائب المفروضة على التبغ استجابةً لرغبة رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، العائد مؤخرًا إلى الساحة الوطنية. خطوةٌ أثارت جدلًا واسعًا، ليس فقط لأنها تمس قطاعًا يرتبط بالصحة العامة، بل لأنها تطرح سؤالًا كبيرًا حول أولويات السياسة الاقتصادية في بلدٍ يئنّ تحت وطأة الغلاء وضعف الموارد وتراجع القدرة الشرائية.
ففي الوقت الذي ينتظر فيه المواطن تخفيض الضرائب عن المواد الأساسية كالخبز والزيت والحليب، تفاجئه الحكومة بتخفيضٍ عن منتجٍ قاتلٍ يكلّف الخزينة سنويًا ملايين الأوقية في العلاج والتأمين الصحي ومكافحة الأمراض المرتبطة بالتدخين.
كيف يمكن لحكومةٍ تتحدث صباح مساء عن “العدالة الاجتماعية” و”الإصلاح الاقتصادي” أن تمنح امتيازًا ضريبيًا لسلعةٍ تفتك بشبابها، وتثقل كاهل منظومتها الصحية؟
يبدو أن المال ينتصر مجددًا على المصلحة العامة، وأن قرارات الدولة باتت تُدار تحت ضغط اللوبيات الاقتصادية التي تملك المال والإعلام والنفوذ، فيما تُهمّش اعتبارات الصحة والتنمية والإنصاف الاجتماعي.
ولعلّ ما يزيد الصورة قتامة أن القرار يأتي في وقتٍ تشهد فيه البلاد أزمات متشابكة: نقص في الأدوية، عجز في موازنة التعليم، وضعف في البنية الصحية. فهل أصبحت الضرائب تُخفّض لمن يملك لا لمن يحتاج؟ وهل تحوّلت السياسات العامة إلى صفقاتٍ ترضي الأثرياء وتخنق الفقراء؟
إن خفض ضرائب التبغ ليس قرارًا تقنيًا اقتصاديًا فحسب، بل هو خيار سياسي وأخلاقي يعكس طبيعة العلاقة بين السلطة ورأس المال في موريتانيا.
حين تضع الدولة صحة المواطن في كفةٍ، ومصلحة رجل الأعمال في كفةٍ أخرى، ثم تختار الثانية، فإنها ترسل رسالة واضحة: “المواطن ليس أولوية”.
يبقى الأمل أن تعود الدولة إلى رشدها، وتدرك أن الضرائب ليست مجرد أداة مالية، بل ميزان عدالة يُقاس به احترامها لكرامة الإنسان، وأن ما يُخفَّف عن الدخان اليوم، سيتحوّل غدًا إلى دخانٍ يخنق ميزانية الصحة، وضمير الوطن.