أحمد الداه.. أسطورة الاحتيال العاطفي في زمن الوهم الرقمي!!
محمد عبد الرحمن ولد عبد الله
كاتب صحفي – نواكشوط
يبدو أن الذكاء في عصرنا لم يعد يُقاس بعدد الشهادات ولا بقدرة صاحبه على حلّ المعادلات الرياضية، بل بمهارته في “خداع العقول” وإتقان لعبة التمويه.
وفي هذا الميدان برز اسمٌ يستحق ـ وبجدارة ـ أن يُدرج في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية: أحمد الداه، الشاب الذي اخترع من خياله الواسع، شخصيةً افتراضية اسمها ليلى، لتتحول إلى أسطورة رقمية حيّرت العقول وأوقعت عشرات الرجال في شراكها بابتسامةٍ رقمية وصورةٍ مجهولة.
لم يستخدم أحمد سلاح المال ولا القوة، بل اكتفى بمزيجٍ من الذكاء الاجتماعي والقدرة على قراءة نقاط ضعف الآخرين. نسج قصةً عاطفية متقنة التفاصيل، جعل ضحاياها يندفعون وراء “ليلى” كما يندفع العطشى وراء السراب. وفي النهاية اكتشف الجميع أن ليلى لم تكن سوى “قناع إلكتروني” يرتديه شابٌ يراقبهم من وراء الشاشة بابتسامة المنتصر.
القصة، رغم طرافتها، تكشف حجم الهشاشة التي يعيشها الإنسان في زمن التواصل الافتراضي. فقد أصبحت العلاقات تُبنى على الأسماء المستعارة والصور المعدّلة، وأضحى الوهم أكثر إقناعًا من الحقيقة.
وفي عالمٍ تُصنع فيه العواطف عبر الرسائل القصيرة، يسهل على أمثال أحمد أن يتحولوا إلى “عباقرة” في الإقناع، و”أساتذة” في فنّ التمثيل العاطفي.
لكن وراء السخرية سؤالٌ أعمق: ما الذي يجعل كل هذا ممكنًا؟
الجواب ببساطة أنّ مجتمعنا يعيش أزمة ثقة رقمية، تتغذى من الوحدة، والفراغ العاطفي، وضعف الثقافة الرقمية، وغياب الوعي بخطورة إسقاط المشاعر في فضاءٍ بلا وجوه.
لقد نجح أحمد الداه في بناء “أسطورة ليلى”، لكنه في الوقت نفسه كشف عن مأساةٍ أوسع: مأساة جيلٍ يعيش داخل الشاشات، يبحث عن الدفء في الضوء الأزرق، وعن الصدق في زمن الأقنعة.
قد يكون أحمد أسطورة في الخداع، لكنه أيضًا مرآة لواقعٍ يُخفي وراء الوجوه المبتسمة حزنًا طويلًا، ووراء كل “ليلى افتراضية” آلاف الأرواح التي تفتّش عن حبٍّ حقيقي لم يعد يسكن هذا العالم الرقمي.