ثقافة

عمر بن لادن… من كهوف أفغانستان إلى قاعات الفن في أوروبا

محمد عبد الرحمن ولد عبد الله
كاتب صحفي ، أنواكشوط

في سيرة عمر بن لادن، نجل زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، تتقاطع الأسطورة السياسية بالعاصفة الإنسانية، ويتحول ابن “رمز الإرهاب العالمي” إلى فنانٍ يبحث عن ذاته في ريشةٍ وألوانٍ تفيض سلامًا لا حربًا.

وُلد عمر عام 1981م، وعاش تسعة عشر عامًا في كنف والده بين السودان وأفغانستان، متنقّلًا بين معسكرات التدريب، ومشاهد الحرب، وأحاديث الجهاد، في بيئةٍ يصعب أن يتنفس فيها طفلٌ رائحة الطفولة. كان واحدًا من أبناء أسامة الذين عاشوا تلك الحقبة الصاخبة، حيث كانت الأيديولوجيا تطغى على الحياة، والموت يُقدّم كمعنى للبطولة.

لكن عمر، بعكس إرث العائلة، اختار أن ينفصل عن التاريخ المليء بالدخان والدماء، ليصنع تاريخه الخاص، بلغةٍ مختلفة تمامًا: لغة الفن.
بعد سنواتٍ من العزلة والتيه، انتقل إلى أوروبا، وهناك بدأ يرسم لوحاتٍ تجريدية تعبّر عن صراع الهوية، عن الخوف، عن الإنسان الممزق بين شرقٍ جريح وغربٍ لا يرحم. في مقابلاته النادرة، يتحدث عن “التحرر من ظل الأب”، وعن الرغبة في أن يُعرَف باسمه فقط، لا بنسبه.

زوجته البريطانية زينة البراوي، كانت جزءًا من هذا التحول، رافقته في رحلة الانعتاق من الماضي، وقدّمت له بيئةً تسمح له بأن يكون فنانًا لا ابنًا لرمزٍ مثيرٍ للجدل. يعيش اليوم حياةً شبه هادئة، يرسم، يعرض أعماله، ويتحدث أحيانًا عن السلام، لكنه لا يستطيع الفكاك تمامًا من فضول الإعلاميين الذين يرون فيه “الابن المختلف”.

قصة عمر بن لادن تستحق أن تُروى في مذكراتٍ شخصية، لا لأنها تثير الفضول بقدر ما تُلهم فكرة التحوّل الإنساني. كيف يمكن لابن أحد أكثر الرجال مطاردةً في التاريخ الحديث أن يتحول إلى رسامٍ يبحث عن الجمال في الألوان بعد أن عاش طفولته بين البنادق؟

إنها قصة إنسانٍ لم يختر اسمه ولا تاريخه، لكنه اختار طريقه.
من صحراء تورا بورا إلى صالات الفن في باريس أو مدريد، يرسم عمر اليوم وجوهًا غامضة تشبه ماضيه، وخطوطًا متقاطعة كأنها محاولاته لفهم العالم من جديد.
ولعلّ ما يجعل قصته مثيرة أكثر من غيرها، هو أنها لا تنتهي بعبارة “هرب من الماضي”، بل تبدأ منها.

زر الذهاب إلى الأعلى