أخبار وطنية

عهدٌ يتكرر… الفساد في زمن ولد الطايع وعزيز وغزواني: وجوه مختلفة لنهج واحد

محمد عبد الرحمن ولد عبد الله – الاتحاد

 

في موريتانيا، تتغير الوجوه، تتبدل الشعارات، ويتباين خطاب كل رئيس عن الآخر، لكنّ المواطن كثيرًا ما يجد نفسه أمام سؤال صادم: هل تغيّرت الأنظمة بالفعل، أم أننا ندور في الحلقة نفسها منذ عقود؟
هذا السؤال يفرض نفسه بقوة عند مقارنة مراحل معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، ومحمد ولد عبد العزيز، ومحمد ولد الشيخ الغزواني. ورغم اختلاف السياقات والظروف، فإن خيطًا واحدًا يربط هذه العهود: الفساد، الزبونية، وغياب المشروع الوطني الجامع.


■ أولاً: معاوية… عقدان من إدارة الدولة كإقطاعية

امتدت حقبة ولد الطايع أكثر من عشرين عامًا، وتميزت بسمتين بارزتين:

1. فساد بنيوي منظم

تحولت الدولة خلال حكمه إلى شبكة مصالح متداخلة، حيث مُنحت الصفقات بالمحاباة، وتوزعت المناصب بمنطق القرب والولاء. كان الفساد شبه مقنن، حتى داخل المؤسسات الحساسة: التعليم، الصحة، الأمن، وحتى القضاء.
وفي عهده تضخمت الثروات عند فئة محدودة مرتبطة بالقصر، في حين توسعت هوة الفقر والبطالة.

2. تأجيج الهويات العرقية والقبلية

شهدت البلاد في التسعينيات أخطر أزماتها العرقية والسياسية، بتجذير الانقسامات وإعادة إنتاج الولاءات الضيقة. كما عرفت فترةً من الاضطرابات والانتهاكات، خصوصًا أحداث 1989 وما تبعها من توترات.

ورغم ذلك، لم تُسجَّل إصلاحات جذرية مهمة أو مشاريع هيكلية يمكن أن تُنسب إلى تلك الحقبة بشكل إيجابي. كانت البلاد تعيش على إدارة يومية متخبطة، ومحاولات دائمة لإطالة عمر النظام.


■ ثانياً: عشرية ولد عبد العزيز… إنجازات ملموسة وفساد أكثر تنظيمًا

حين وصل محمد ولد عبد العزيز إلى السلطة عام 2009، جاء بشعار “محاربة الفساد”، لكنّ هذا الشعار سرعان ما تحوّل إلى سلاح سياسي لا إلى سياسة دولة.

1. إنجازات لا يمكن إنكارها

رغم الانتقادات الواسعة، تبقى لعشرية ولد عبد العزيز إنجازات ملموسة على الأرض، منها:

  • إعادة بناء الجيش وتجهيزه وتطوير منظومته؛
  • إنشاء مطار نواكشوط الدولي (أم التونسي)؛
  • شق مئات الكيلومترات من الطرق؛
  • بناء مستشفى القلب ،
  • بناء مستشفي  الفيروسات
  • بناء مستشفي الصداقة
  • بناء مستشف الام والطفل
  • بناء مستشفيات جهوية في روصو وكيهيدي  والنعمة وكيفة وانواذيبو
  • وبعض المنشآت الصحية؛
  • إطلاق مشاريع بنى تحتية في الموانئ والطاقة؛
  • إطلاق برنامج “أمل” لتوفير المواد الغذائية بأسعار مخفضة؛
  • تقوية قبضة الدولة على الأمن، وقطع الطريق على التهديدات الإرهابية التي كانت تضرب الساحل.

هذه المشاريع كانت مرئية، محسوسة، ويمكن للمواطن أن يلمسها مباشرة.

2. فساد “مُمأسس”

ورغم هذه الإنجازات، فإن عشرية عزيز شابها فساد واسع، لكن بآلية مختلفة:
تحويل المؤسسات إلى أدوات للإثراء الشخصي، خصوصًا عبر الصفقات والعمولات، وهي أمور كشفتها لاحقًا ملفات أمام القضاء.
كما شهدت تلك المرحلة تفكيك المعارضة بالترغيب والترهيب، وتضخم نفوذ دائرة ضيقة حول الرئيس.


■ ثالثاً: غزواني… دولة بلا بوصلة واضحة

حين وصل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الحكم عام 2019، كان كثير من معارضي ولد عبد العزيز يصفقون له باعتباره “الرجل الهادئ، الإصلاحي”، بل والمخلّص المنتظر. لكن السنوات الأولى كشفت عن نمط حكم أقرب ما يكون إلى فترة ولد الطايع:

1. أداء حكومي باهت وضعيف

مرت الخمسية الأولى دون إنجازات بارزة. غابت المشاريع الكبرى، وتراجعت فعالية الدولة، وانتشر مناخ من التردد والرتابة في العمل الحكومي.
أكبر ما نُفِّذ هو:

  • بضعة طرق قصيرة؛
  • مدارس نموذجية معدودة؛
  • جسران في العاصمة؛
  • وعمليات توزيع مالي موسمية “تشبه الإعانات لا السياسات”، وغير مبنية على قاعدة بيانات دقيقة.

2. عودة صريحة للقبلية والجهوية

شكّل التعيين على أساس الانتماء أبرز ملامح المرحلة، مع تصاعد نفوذ شبكات الولاء، خصوصًا داخل الإدارات الخدمية، وغيرها من مفاصل الدولة.
النتيجة: تآكل هيبة المؤسسات، وعودة مناخ “طبيعي” من المحسوبية، تمامًا كما في عهد ولد الطايع.


■ رابعاً: أين يتشابه هؤلاء الثلاثة؟

رغم الفروق الشكلية، تجمع الأنظمة الثلاثة نقاط مشتركة واضحة:

1. غياب المشروع الوطني الجامع

لم يطرح أيّ منهم رؤية استراتيجية للدولة تمتد لعشرين سنة أو حتى عشر سنوات.
تبدلت الخطط بتبدل الأشخاص، وظل المواطن ينتظر “المنقذ”.

2. الفساد كآلية حكم

الصفقات، الرشاوى، التعيينات بالولاء، المال السياسي…
كانت كلها أدوات لضمان الاستقرار السياسي، لا آثار مرضية لممارسات فردية.

3. إعادة إنتاج الأزمات نفسها

التعليم المتهالك، الصحة المنهارة، البطالة الصاعدة، العدالة الاجتماعية الغائبة…
هي الملفات نفسها منذ ولد الطايع إلى اليوم.


■ خلاصة:

تبدو موريتانيا وكأنها تعيش العهد نفسه بثلاث نسخ مختلفة:
معاوية كرّس الفساد؛
عزيز نفّذه بقبضة قوية مع بعض الإنجازات؛
وغزواني أعاد إنتاجه بنسخة أكثر هدوءًا وبأداء ضعيف لا يعيد الثقة ولا يخلق أملاً.

وفي النهاية، يظل السؤال الحقيقي مفتوحًا:
هل مشكلتنا في الرؤساء… أم في النظام السياسي الذي يفرزهم، ويعيد إنتاج نفسه مهما تبدلت الوجوه؟

زر الذهاب إلى الأعلى