أخبار وطنية

من ميادين الاحتجاج إلى بلاط السلطة: كيف كشف غزواني المعارضة على حقيقتها؟

نواكشوط – الاتحاد

محمدعبدالرحمن ول عبدالله

كاتب ، صحفي

لم يكن المشهد عابرًا ولا بسيطًا. أن ترى جميل منصور، الرئيس الأسبق لحزب تواصل، إلى جانب زميلته السابقة في ساحات الاحتجاج سعداني خيطور، يجلسان في استوديو القناة الرسمية لتفسير مضامين خطاب رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، هو حدثٌ يتجاوز حدود الصورة إلى عمق الدلالات.

قبل سنوات، كان الاثنان يعتليان المنصات، يرفعان عقيرتيهما بالحديث عن معاناة المواطن، تارة باسم الحرية، وتارة باسم المستضعفين. كانوا يصرخون بالحق، أو هكذا ظن الناس. كانوا يملؤون الشوارع رنينًا، والمنصات زعيقًا، والإعلام الخارجي اتهامًا. واليوم، يجلسان حيث كانا ينتقدان، ويباركان ما كانا يصفانه يومًا بـ “الفشل السياسي الأكبر”.

● لم تكن المعارضة بلا أخطاء يوماً، لكن ما كشفه العهد الحالي، هو أنها لم تكن يومًا معارضة حقٍّ بقدر ما كانت معارضة تموقع.
كان الرئيس غزواني ذكيًا في التعامل مع المشهد: لم يحارب خصومه، بل تركهم يقتربون منه حتى تتساقط عنهم أوراق الادعاء واحدةً تلو الأخرى. فكانت النتيجة أن ظهر ما كان يسمى بـ”العارضة” عارية من الشعارات، مجرّدة أمام جمهورها قبل خصومها، بعد أن اختارت الطواعية الانتقال من خطاب الحق إلى موقع التبرير.

● أهم إنجاز سياسي في عهد غزواني، ليس مشروعًا اقتصاديًا ولا طريقًا معبدًا، وإنما كشف حقيقة هذه المعارضة، وسوء سريرتها السياسية.
معارضة اشتغلت لسنوات على “استيراد الأزمات” من الخارج، والتكسّب الإعلامي من الداخل. معارضة كانت تحذّر من “احتواء النظام” فإذا بها تقف اليوم في صفوف المرحلة ذاتها التي كانت تصفها بالاستبداد.

● إنّها لحظة الحقيقة:

  • من كان يتاجر بمعاناة المواطن، لم يتحمل رؤية باب من أبواب السلطة يُفتح دون أن يندسّ فيه.
  • من كان يرفع صوته باسم الفقراء، لم يتردد في خفضه حين تعلق الأمر بمقعد في استوديو رسمي أو مكافأة مذهّبة.
  • من كان يهاجم خطاب النظام، أصبح هو نفسه خطيبه وشرّاحه وتالياً مُصفّقاً لصانع قراراته.

الطريف أن بيان الاعتذار لم يصدر، ولا حتى التوضيح. كان الانتقال سلسًا، بلا خجلٍ تقريبًا، وكأنها رحلة طبيعية من “ساحات الشعب” إلى “ستوديو السلطة”.
وكأن الرسالة تقول: لم نكن نعارض الظلم بل نعارض من يجلس في الكرسي، فإذا جلس من نرضى عنه… آمنا به.

في العمق، لا يحق لأحد أن يلوم غزواني على شيء هنا. الرجل لم يشترِ أحدًا، بل اكتفى بفتح الباب… فهرع من كانوا يزعمون أن لا باب يغريهم، ولا منصب يفتنهم.

● خاتمة

في تاريخ السياسة، قليلون يغيّرون مواقعهم، لكن كثيرين يغيّرون مبادئهم.
والتاريخ الموريتاني الحديث سيسجّل أن أكبر إنجاز سياسي لغزواني، لم يكن مشروعًا تنمويًا ولا قانونًا جديدًا، بل كان فضح معارضة عاشت على الشعارات، وسقطت في أول اختبار قرب من السلطة.

لقد كان الشعب يظن أن مشكلته في النظام وحده، فإذا به يكتشف أن جزءًا كبيرًا من مشكلته كان في “معارضةٍ” كانت تتغذى من آلامه، ثم تخلّت عنه حين شبعت.

ذلك هو الدرس.
وتلك هي الحقيقة التي لم يعد ممكناً الصراخ لإخفائها.

زر الذهاب إلى الأعلى