رأس المال البشري… العقدة التي تكبّل التحوّل الاقتصادي في موريتانيا
يشخّص تقرير البنك الدولي «أربعة تحديات كبرى» الأزمة التنموية في موريتانيا من زاوية بالغة الحساسية: ضعف رأس المال البشري. فبلد يمتلك ثروات طبيعية ضخمة، يبقى عاجزًا عن تحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي ما لم يستثمر في الإنسان، بوصفه المحرّك الأول لأي نمو.
● تعليم يتوسع… لكنه لا يعلّم
يشير التقرير إلى أن المدرسة الموريتانية ما تزال بعيدة عن تخريج جيل يمتلك المهارات الأساسية. فالكمّ ازداد، لكن الجودة تراجعت:
تلاميذ يصلون إلى المرحلة الإعدادية دون إجادة القراءة أو الحساب، وتعليم ثانوي وجامعي لا يتفاعل مع حاجات الاقتصاد، ولا يواكب التحولات العالمية في التكنولوجيا والابتكار.
والنتيجة واضحة: شباب كثير… ومهارات قليلة.
● منظومة صحية هشة تعيق الإنتاجية
على مستوى الصحة، يبدو الوضع أكثر تعقيدًا. فالعجز في التجهيزات، ونقص الأطباء المتخصصين، وانتشار سوء التغذية بين الأطفال، كلها تشكّل حلقة تضرب في العمق قدرة المجتمع على تكوين قوة عمل سليمة وقادرة على الإنتاج.
ويؤكد التقرير أن أي اقتصاد يطمح للنمو يحتاج قبل كل شيء إلى يد عاملة بصحة جيدة، وهو ما لا يتوفر اليوم في مناطق واسعة من البلاد.
● التكوين المهني… الغائب الأكبر
رغم توسع القطاعات الواعدة—كالطاقة والمعادن والصيد والخدمات اللوجستية—لا يزال التكوين المهني محدودًا ومفصولًا عن سوق الشغل.
ولهذا تبدو البطالة في موريتانيا مشكلة مهارات قبل أن تكون مشكلة وظائف؛ فالمناصب موجودة، لكن من يشغلها غير موجود.
● فوارق تقتل الفرص
يزيد التقرير التحذير من فجوة خطيرة بين المدن والبوادي، وبين الفئات الاجتماعية، وحتى بين الجنسين. مناطق تعيش على هامش الخدمات الأساسية، وأطفال يكبرون بفرص غير متكافئة، ما يعمّق الهشاشة، ويقضي مسبقًا على فرصة بناء اقتصاد متنوع.
● الإصلاح العميق… شرط النجاة
يخلص البنك الدولي إلى أن مستقبل موريتانيا الاقتصادي يمر عبر ثورة في تنمية الإنسان، لا عبر توسعة المنشآت أو انتظار عائدات الثروات.
وتوصياته واضحة:
- رفع جودة التعليم وتكوين المدرسين.
- ربط الجامعة والتكوين المهني باحتياجات الاقتصاد الحقيقي.
- تطوير المنظومة الصحية وتوسيع تغطيتها.
- تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
تحسين رأس المال البشري ليس خيارًا… بل هو المعركة الحاسمة للتحول الاقتصادي.








