مؤتمر الشباب… مهرجان خطب لا يُغيِّر واقعًا

انواكشوط – خاص الإتحاد
مرة أخرى، يُعقَد “مؤتمر الشباب” في موريتانيا بما يشبه الاحتفال الرسمي أكثر مما يشبه نقاشًا جادًا لمستقبل الجيل الذي يمثل أكثر من 60% من سكان البلاد. مرة أخرى، تُنفق الميزانيات، وتُرفع الشعارات، وتُلتقط الصور التذكارية، وتنتهي الأيام الثلاثة الزاهية دون أن يلمس الشباب أي تغيير في واقع البطالة، أو التعليم الرديء، أو غياب الفرص، أو انسداد الأفق.
هذا المؤتمر – بكل أناقته البروتوكولية – يحاول أن يظهر وكأنه منصة لإشراك الشباب في القرار، لكنه في جوهره مهرجان علاقات عامة هدفه تلميع الوزارة وليس معالجة مشاكل جيل بأكمله.
● أولًا: شباب بلا صوت… ومؤتمر بلا مضمون
يُفترض أن يكون المؤتمر مساحة حرة يحدد فيها الشباب أولوياتهم، لكن الحاصل أن:
- اللوائح مُعدة مسبقًا، والمواضيع مختارة بعناية لتكون آمنة سياسيًا.
- أغلب من يُسمح لهم بالكلام هم نشطاء محسوبون على السلطة أو شباب مُختارون بعناية.
- تتكرر نفس الكلمات: التمكين، الابتكار، ريادة الأعمال، دون أن تُناقش جذور الأزمة البنيوية التي يعيشها الشباب.
يُطالب الشباب بالالتزام بالخطاب الرسمي أكثر من التعبير عن غضبهم من الواقع، وكأن المؤتمر جاء ليُسكتهم لا ليُسمِع صوتهم.
●ثانيًا: مخرجات هزيلة… ووعود للاستهلاك الإعلامي
بعد كل مؤتمر، تُعلن “حزمة من التوصيات” التي تُقدَّم كما لو أنها فتح تنموي جديد، لكنها في الحقيقة:
- إنشاء لجان ستنشئ لجانًا أخرى، ثم تُدفن في الأدراج.
- وعود فضفاضة حول دعم التشغيل وريادة الأعمال دون أي تمويل حقيقي.
- مشاريع شكلية لا تُعالج البطالة المتصاعدة ولا الهجرة المتزايدة للشباب.
النتيجة؟
يبقى المؤتمر حدثًا إعلاميًا يُستعمَل لإيهام الرأي العام بأن الدولة تستمع للشباب، بينما الواقع يزداد سوءًا: شباب بلا وظائف، بلا تعليم جيد، بلا ضمان اجتماعي، بلا أفق.
● ثالثًا: الفجوة بين الشعار والواقع
في كل دورة، يُباع للشباب حلم “التمكين”، لكن ما يرونه هو:
- توسع المحسوبية بدل الكفاءات.
- سيطرة العائلات النافذة على المناصب والفرص.
- غياب أي سياسة تستهدف فعليًا تنمية رأس المال البشري.
- ارتفاع نسب البطالة رغم تضخم أرقام المشاريع الورقية.
كيف يمكن إقناع الشباب بأن المؤتمر مُعدّ من أجلهم، بينما لا أحد منهم يُشاهَد في أجهزة الدولة أو في مواقع القرار؟
● رابعًا: مؤتمر يُدار بعقلية قديمة لجيلٍ يعيش زمنًا جديدًا
الشباب يعيشون عالمًا مفتوحًا: معلومات، تجارب، فرص، نماذج ناجحة… بينما إدارة المؤتمر ما تزال بعقلية “التوجيه من فوق” و”الاستهلاك الإعلامي” و”الصورة الجماعية” التي تُظهر أن الأمور تسير على ما يرام.
هذا الجيل لم يعد يقبل الخطابات الفارغة. لم يعد يقتنع بالعروض المسرحية. يريد:
- تعليمًا جادًا.
- فرص عمل حقيقية.
- شفافية في التسيير.
- محاربة للفساد.
- مشاركة فعلية في القرار، وليس حضورًا في الصور.
● خامسًا: ماذا يحتاج الشباب فعلًا؟
لا يريدون مؤتمرًا جديدًا، بل سياسات عامة:
- إصلاح جذري للوزارة الوصية
- تخفيف قبضة الفساد والمحسوبية.
- خلق فرص عمل مستدامة مرتبطة بالاقتصاد الحقيقي، لا مشاريع ظرفية.
- توفير مساحات مشاركة حقيقية، لا مهرجانات بروتوكولية.
● ختامًا
سيظل “مؤتمر الشباب” مجرّد عرض مسرحي رسمي ما لم تُغيّر الدولة طريقة تفكيرها. الشباب لا يحتاجون منصات خطاب؛ يحتاجون دولة جادة، وسياسات فعالة، ونظامًا يعترف بأن طاقات هذا الجيل ليست زينة للمؤتمرات، بل هي أساس بناء مستقبل موريتانيا.
من دون ذلك، ستظل المخرجات هزيلة… والهتافات عالية… والواقع كما هو: شباب مشرد سياسيًا، وتائه اقتصاديًا، ومهمش اجتماعيًا، ينتظر دولة لم تأتِ بعد.






