العلامة الشيخ السالك ول الإمام الوداني التيجاني عالم وادن الأبرز

محمد عبد الرحمن ول عبد الله
كاتب وصحفي
في مدينة وادان، حيث يتقاطع التاريخ بالعلم، وتتشكل الذاكرة الموريتانية على إيقاع المحاظر والزوايا، يبرز اسم العلامة السالك بن الإمام الحاجي الوداني (ت 1245هـ) بوصفه أحد أعمدة الفقه واللغة والتصوف، وإمام المدينة الأكبر وفقيهها الأشهر في عصره.
● عالمٌ ينتقد الكبار… بعلم وورع
ينقل الشيخ محمد المامي شهادة لافتة في حق السالك بن الإمام، مفادها أنه استدرك على العلامة سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي – الملقب بخاتمة المحققين – نحو ثلاثمائة مسألة في كتابه الشهير «عروس الأفراح» في علم البيان.
ولم يكن هذا الاستدراك طعناً أو مجادلة، بل ممارسة علمية رفيعة المستوى، تؤكد رسوخ السالك في علوم البلاغة وأصول الفقه وآداب الخلاف.
والأهم في هذه الحادثة هو موقف العلامة سيدي عبد الله نفسه، إذ لما بلغه الخبر سلّم بكل تلك الملاحظات، في سلوكٍ عدّه المعاصرون دليلاً على سعة علمه وورعه، تماماً كما كان يُقال عن توقف الإمام الشافعي في بعض المسائل
.
● إعجابٌ لا يُلغيه النقد
ورغم هذه الاستدراكات الكثيفة، يورد الشيخ محمد المامي مفارقة دالة، إذ نقل عن بعض تلامذة السالك أنه لم يكن يدرّس في علم البيان إلا كتاب «عروس الأفراح» نفسه، إعجاباً بمنهجه وعمقه، على الرغم من كثرة مؤلفات البيان المتداولة في وادان آنذاك.
وهو موقف يعكس أخلاق العلماء في أوجها: نقد بلا خصومة، وإعجاب بلا تقديس.
● فقيه وادان وإمامها الأكبر
لم يكن السالك بن الإمام مجرد ناقد لغوي أو فقيه نظري، بل كان إمام وادان الأكبر، ومرجعها العلمي، وأحد أبرز علامات عصره في الفقه واللغة والتصوف. وقد جمع بين التحقيق العلمي والسلوك الروحي، وهو ما جعله يحظى بمكانة خاصة داخل المجتمع العلمي والروحي في البلاد.
● في طليعة ناشري الطريقة التيجانية
يُعد السالك ول الإمام من روّاد نشر الطريقة التيجانية في موريتانيا، بل ومن بين الأربعة الموريتانيين الذين نالوا التقديم المباشر من الشيخ أحمد التيجاني رضي الله عنه، وهو شرف روحي نادر يعكس مكانته العلمية والسلوكية معاً.
● وادان… حين تُنجب النقد والإنصاف
تكشف هذه القصة عن وجهٍ مضيء من تاريخ وادان: مدينة لم تكن مجرد أثر معماري، بل حاضنة لعلماء كبار، مارسوا النقد العلمي بأعلى درجاته، دون أن ينزلقوا إلى التعصب أو التبخيس.
وفي زمن تتراجع فيه أخلاق الاختلاف، تظل سيرة السالك بن الإمام الوداني درساً بليغاً في أن العلم لا يكتمل إلا بالتواضع، وأن النقد الصادق لا ينقص من المقامات، بل يرسخها.







