: دوامة الاستحمار الجماعي: وطن يُنهب… وانشغال بالتفاهات

محمدعبدالرحمن ول عبدالله
كاتب صحفي ، انواكشوط.
تحوّلت موريتانيا، في نظر الكثيرين، إلى ساحةٍ يتسيّد فيها اللصوص، وتذبل فيها قيم المواطنة الحقة، حتى غدت خاويةً على عروشها. نجحت منظومة الفساد في جرّ أبناء الوطن إلى مستنقع العرقية والقبلية والجهوية السحيق، مُلهيًة إيّاهم عن النهب الممنهج للثروات، وعن انحراف مؤسسات الدولة عن أدوارها الأساسية.
هذا النوع من الحروب الداخلية لا رابح فيه، سوى المفسدين والخونة ومن يتغذّى على الانقسامات ويحسن استثمارها، لتضمن بقاءهم أطول وقت ممكن، بينما تُساق الشعوب إلى صراعات تستهلك طاقاتها وتدفن آمالها.
من يريد مستقبلًا لهذا البلد المنهك، عليه أن يُدرك أن المعركة الحقيقية ليست بين القبائل ولا بين الأعراق، بل بين الفساد والنزاهة، بين دولة الغنائم ودولة الحقوق. الطريق الوحيد لدحر المفسدين هو الاتحاد، الصمود، والعمل الجاد من أجل دولة مواطنة للجميع، دولة لا تُفرّق بين أبنائها على أساس اللون أو الجهة أو النسب، بل توحّدهم على أساس العدل والكرامة.
أما الحروب والاقتتال العرقي والقبلي والجهوي، فلن تجلب سوى الخراب، وستُطفئ آخر بصيص أمل في نفوس شعبٍ مُشرَّدٍ في وطنه، مظلومٍ من المهد إلى اللحد.
هذا ليس مجرد فشل سياسي، بل هو مشروع استحمار جماعي، يُديره ببرود نظامٌ بارع في تحويل أنظار الناس عن الجرائم الكبرى: نهب الثروة، قتل العدالة، اغتيال الأمل.
إن الحروب الداخلية ليست سوى هدية ثمينة لأنظمة النهب؛ فكلما تشاجر الناس على الهوية والجهة، زاد لصوص الدولة غنى ونفوذًا. وكلما انشغل المواطنون بلعن بعضهم، ارتاح الفاسدون في كراسيهم، يخططون لسرقة ما تبقى.
من يريد مستقبلًا لهذا البلد لا بد أن يفهم أن المعركة ليست بين لحراطين والبيظان، ولا بين الشرق والغرب، ولا بين العرب والأمازيغ. المعركة الحقيقية هي بين دولة تُبنى على أساس العدل والمواطنة، ودولةٍ تُدار بعقلية الفساد والإقطاعية.
لن يسقط المفسدون بالصمت ولا بالتفرقة. لن تسقط أنظمة النهب بترديد شعارات القبيلة والجهة. سيسقطون فقط حين يتحد الموريتانيون — كل الموريتانيين — خلف مشروع واحد: استعادة الدولة، وكسر دوامة الاستحمار الجماعي، وإعادة الوطن من أيدي الذين باعوه في المزاد العلني.
إما أن ننتفض جميعًا لرفض التفرقة ورفض الفساد ونتحد من ،أجل دولة عادلة،مدنية متطورة. أو نواصل الدوران في نفس المستنقع، حيث تذبل المواطنة، ويزدهر الفساد، وتتحول البلاد إلى قبرٍ كبير لأحلامنا وامالنا،لنتحد ونبني وطنا جميلا تحكمه دولة القانون .والعدالة،هذا ليس مستحيلا، بل ممكن اذا توحدنا ورتبنا اولوياتنا بشكل عملي.الوطن يحتاجنا جميعا.







