قبيلة إيديشل الأماجد: تاريخ من الجهاد والبطولات، ونصرة المظلوم
في عمق الذاكرة الموريتانية، تسكن قبيلة إيديشل العربية الإنصارية،الأصيلة، كما تسكن الرمال الصحراء: بهدوءٍ ظاهر وقوةٍ دفينة. قبيلة لا تُشهر سيوفها إلا في معركةحق ، وشهامة ولا تفرض سيطرتها إلا للحق وبالحق ظل صوتها وتأثيرها في كل محفل، وحين تُستدعى للحق، تُلبّي كما يُلبّي الفجر نداء الأرض العطشى.
منذ قرون، خطّت إيديشل صفحات من النضال والجهادالأسطوري، دفاعًا عن القيم، وعن الأرض، وعن المستضعفين. وفي زمن غاب فيه ميزان العدالة، كانت القبيلة — رجالها ونساؤها — ترسًا منيعًا أمام الظلم، وسندًا لكل من ضاقت عليه السبل. أو تعرض للظلم.
=بطولات لم تُروَ كاملة
كم من معركة خاضها فرسانها دفاعًا عن الحمى؟ وعن الوطن،وكم من مرة وُضِع سيف إيديشل في كفة الحق، فمال الميزان لصالح المظلومين؟
إن ما سُطّر في بطون الكتب لا يوازي ما ظل عالقًا في صدور الرجال وذاكرة الشيوخ، من بطولات حقيقية على أرض الواقع، حيث لا كاميرا توثق، ولا قلم يُجامل.هناك بطولات خالدة لم تروي حتي الأن .
=الأصالة .. وسمو النفس
لم تكن هذه القبيلة تلهث وراء سلطة، او شهرة ،ولا تتسابق إلى مكاسب زائلة، بل رفعت لواء الكرامة، والجهاد،وورثت أجيالها معاني العزة، والنخوة، والاستقامة. فكان أبناؤها ولا يزالون رجالَ مواقف، لا رجالَ مصالح.
في السلم كما في الحرب، لعبت القبيلة أدوارًا اجتماعية وتاريخية محورية، وساهمت في نشر القيم العربية الأصيلة، وإصلاح ذات البين، وكان رجالها يُستدعون للفصل في النزاعات، لأن صوتهم كان صوت الحكمة، وميزانهم ميزان العدل.
=إرث يتواصل
اليوم، ونحن نعيش زمن التحوّلات السريعة، تبقى قبيلة إيديشل العربية العريقة، حاضرة بهدوئها الراسخ، وبعطائها المتواصل في شتى ميادين الوطن: من الإدارة، إلى التعليم، إلى السياسة، إلى خدمة المجتمع.
جيل جديد يُكمل المسيرة، ويستلهم من أسلافه روح التضحية ونبل الرسالة.
في بلاد تعج بالضجيج، لا يُعرف معدن الناس إلا عند المواقف الفاصلة، وهناك، دائمًا، نجد إيديشل. لا تسعى للشهرة، لكن اسمها يُذكر حين يُذكر النبل والكرم ، والشهامة.والشجاعة والتضحية.
قبيلة كتبت تاريخها بدماء شهدائها، وشجاعة فرسانها ،وستبقي بصمة أبطالها حاضرة في صفحات التاريخ.
فطوبى لمن كان تاريخه نورًا، وحاضره شرفًا، ومستقبله وعدًا بالخير.
=مصرع كبولاني: يوم دوّى صوت المقاومة في تجكجة
في صبيحة 12 مايو 1905، كانت مدينة تجكجة الواقعة في قلب موريتانيا على موعد مع لحظة فارقة في تاريخ البلاد، لحظة سيتردد صداها طويلاً في ذاكرة المقاومة، حين دوّى صوت الرصاص داخل مقر الحاكم الفرنسي، ليسدل الستار على حياة العقيد والإداري اكزافي كبولاني، قائد الحملة الاستعمارية الفرنسية في موريتانيا.
لكن قبل هذا اليوم، كان التمهيد للمواجهة قد جرى في الخفاء وعلى نار الصبر والثأر.
فمنذ دخول الفرنسيين إلى الأراضي الموريتانية، واجهوا مقاومة شرسة من القبائل، وكان أهل أدرار في طليعة من رفض الخضوع، وعلى رأسهم المجاهد سيدي ولد مولاي الزين، والامير سيداحمد ول احمد عيدة والشريف وجاهة ول الشيخ محمد تقي الله.وفرسان قبيلة إيديشلي، الذين عُرفوا بالجرأة والبأس، والشجاعة .وكان لهم السبق في توجيه ضربات موجعة للقوات الفرنسية.واعوانها،قبل غيرهم من المقاومين.
=قبيلة إيديشلي.. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
ينتمي الشريف سيدي ولد مولاي الزين إلى قبيلة اهل مولاي الزين الشرفاء المشهورين ويعيش مع قبيلة إديشلي ،وهي قبيلة ذات صيت وتاريخ مجيد في وسط البلاد، لقد أحبهم ، واحبوه ،فهو شريف من اهل الفضل والصلاح وقد إختار ان يعيش معهم.اشتهرت قبيلة ايدشلي برجالها المقاتلين الشجعان. وشيوخها المتمرسين في فنون الكرّ والفرّ، والتمسك بقيم النبل والإباء
، وظلت مواقفها ثابتة تجاه الاستعمار: لا صلح مع المحتل، ولا مهادنة مع الغازي.
وقد شكل سيدي ولد مولاي الزين مع مجموعة من فرسان إديشلي – نواة خلية مقاومة سرية داخل ادرار، حيث تمكنوا من الإستطلاع وجمع المعلومات عن العدو.، وكانت المجموعة تحمل على راس اولوياتها ضرب الاحتلال في مقتل.واطلاق شرارة المقاومة المسلحة في موريتانيا فكان لهم ما أرادوا.
وقد وجدوا في قتل كبولاني خطوة رمزية واستراتيجية في آنٍ واحد.
=ساعة الحسم:
في يوم التنفيذ، تمكن المجاهدون من دخول مقر القيادة الفرنسي . واجهوا مقاومة عنيفة.. كانت المدينة تبدو هادئة، ومستسلمة لمصيرها.!
رغم سطوة الفرنسيين واعوانهم .أعتقد الغزاة انهم في مامن من ضربات المقاومة بسبب سلاحهم النوعي والتحصينات العسكرية القوية.التي اقاموها حول مناطق تواجدهم.
لكن ما إن اقترب المجاهدون بقيادوة سيدي ول مولاي الزين الذي كان يحمل سيفا للقتال فيما تولي المجاهد الشجاع محمد ول الصفرة، وجماعته اطلاق نار كثيف علي كبولاني وحراسه، فيما تولت مجموعة من المجاهدين، تأمين عملية الانسحاب بعد ان حققت العملية اهدافها وسط صدمة الفرنسيين، الذين لم يتوقعوا مثل هذا الهجوم الخاطف والنوعي داخل عقر دارهم.
قُتل كبولاني على الفور، وسقط بعض القتلي والجرحي من الطرفين، انسحب المجاهدون الناجون نحو التلال والجبال القريبة، حيث انطلقوا في سلسلة معارك متتالية في مراحل لاحقة.
=أثر الحدث وتداعياته:
كان لمقتل كبولاني وقع الصاعقة على المستعمر الفرنسي، فقد مثّل مقتل كبولاني ضربة موجعة للهيبة الفرنسية، وجاء في لحظة ظن فيها الاحتلال أنه أحكم قبضته على المنطقة.
دفعت فرنسا بتعزيزات عسكرية هائلة، وشنّت حملات انتقامية واسعة طالت المدنيين والمجاهدين، وأعدمت، الأسري والجرحي دون محاكمة. لكن الحادث أثبت أن روح المقاومة لم تُكسر، وأن في أرض موريتانيا رجالاً لن يرضخوا بسهولة.
خلّد التاريخ اسم سيدي ولد مولاي الزين باعتباره أحد أبرز أبطال المقاومة المسلحة في موريتانيا. لم يكن مجرد قاتل لمستعمر، بل رمزًا للبطولة والكرامة الوطنية. ومثّلت عمليته ورفاقه، نقلة نوعية في نضال الموريتانيين، ورسالة واضحة: أن الهيمنة الأجنبية لا يمكن أن تستقر على أرض ترفض الظلم وتنجب الابطال
=خاتمة:
قصة مصرع كبولاني لم تكن مجرد صفحة في كتاب التاريخ، بل إعلان ميلاد مرحلة جديدة من المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي. لقد علّمنا أبطال المقاومة الوطنية،أن تاريخ الشعوب يصنعه الرجال.
“رحم الله شهداء معركة تجكجة الأبطال ، فما زالت تلك البطولات الأسطورة ترددها الرمال والصخور في تجكجة، وما زال التاريخ يكتب سطور البطولة أنها عملية متقدمة علي التخطيط العسكري وقد كانت بداية شرارة الحرب ضد الغزات المستعمرين، وسجلها التاريخ في صفحاته الخالدة.
تقرير :
محمدعبدالرحمن ول عبدالله
كاتب صحفي