ثقافة

قصر البركة ..قلعة التاريخ المنسية

في قلب ولاية تكانت، حيث تتعانق الجبال مع وديان تامورت أنعاج الخصبة، يرقد كصر البركة كمدينة أثرية مهجورة تحمل في صمتها تاريخًا من الصمود والممانعة. تأسس هذا الكصر سنة 1697م، أي قبل أكثر من ثلاثة قرون، وبقي شاهدًا على حضارة موريتانية ضاربة الجذور.

يقع الكصر شمال وادي تامورت أنعاج عند ملتقى مصبّي الوادي الأبيض ووادي لمريفكْ، على بعد ستين كيلومترًا من مدينة انبيكه، التي كانت وما تزال إحدى الحواضر الكبرى للمنطقة. بين الأزقة الضيقة، والمسجد العتيق، وركام المنازل الطينية، ما زال التاريخ يهمس بقصص رجال ونساء عاشوا هنا، وتركوا بصمة لا يمحوها الإهمال.

كان كصر البركة يومًا ما قلعة حصينة في وجه المستعمر الفرنسي، ورمزًا للتحدي والإباء، ضمن جبال تكانت التي استعصت طويلًا على الغزاة. من هنا انطلقت صرخات المقاومة، وهنا تكسرت أطماع الطامعين. وما تزال الحجارة السوداء المصفوفة والطرقات المنسية تروي حكايات الشجاعة والكرامة.

وقد خلد الولي الصالح الشيخ أحمد بن آدبه هذه المدينة بقصيدته الشهيرة مخاطبًا أهلها وصديقه سيدي محمد بن الكسري، فقال:

> أباني قصر البركة شيده وابنهِ
وبلّغ تحايانا إلى القصر وابنهِ

فذا العالم العلوي راضٍ بناؤهُ
وذا العالم السفلي جنةُ عدنهِ

 

اليوم، يقف كصر البركة أمام مفارقة موجعة: تاريخ عظيم في مقابل حاضر مهمل. فلا لوحات تعريفية، ولا مشاريع ترميم، ولا اهتمام رسمي أو شعبي يعيد لهذه القلعة الاعتبار.

إن إحياء كصر البركة ليس مجرد حفاظ على أطلال، بل هو استعادة لذاكرة وطنية، وترسيخ لهوية حضارية مهددة بالاندثار تحت وطأة النسيان.

زر الذهاب إلى الأعلى