ثقافة

يحيى ولد حامد.. عبقري الرياضيات الذي جهلته الأمة وعرفته الإنسانية

□ في زمنٍ يزدحم فيه الفضاء الإعلامي بأخبار التفاهة وصغار “النجوم”، يمرّ العرب مرّ الكرام على أعظم عقولهم التي طبعت بصمتها في سجل الإنسانية. ومن بين هذه القامات الشامخة يبرز اسم العالم الموريتاني الدكتور يحيى ولد حامد، الذي رحل بصمت يوم الجمعة 11 مارس 2011، بعد أن خلّد اسمه كأحد أبرز علماء الرياضيات في القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين.

■ ريادة عالمية وصمت عربي

صُنِّف ولد حامد الأول عربياً وإفريقياً في مجال الرياضيات، وبلغ المرتبة الثالثة عالمياً في تخصصه، وهو ترتيب لم ينله أي عالم عربي من قبل. ومع ذلك، يجهله معظم العرب ولا يذكره إعلامهم، في مفارقة مؤلمة تُعري واقع أمة تنصرف إلى التبعية والانبهار بالآخر، وتغفل عن كنوزها البشرية.

■ مسيرة أكاديمية مشرّفة

● عمل أستاذاً محاضراً في كبريات الجامعات العالمية: فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، كندا، الولايات المتحدة، اليابان، فنزويلا، والهند.

● ألقى محاضراته بخمس لغات حيّة: العربية، الفرنسية، الإنجليزية، الألمانية، والإسبانية.

بلغ دخله من محاضراته العلمية ما يصل إلى 1000 دولار في الساعة، وهو ما يعكس قيمة علمه في سوق المعرفة العالمي.

■ إنتاج علمي استثنائي

خلّف العالم الموريتاني أكثر من 100 بحث ونظرية رياضية، نُشر منها 95 على موقعه الرسمي بجامعة باريس 06، وهو إنجاز يفوق ما أنتجه كل علماء إفريقيا مجتمعين في هذا المجال.
من أبرز ما قدّمه:

نظرية الأعداد الزائدة (Théorie additive des nombres)

● نظرية مينكوفيسكي (Somme de Minkowski)

● المشكلات الإيزوبيريمترية (Problèmes isopérimétriques)

● نظرية زوائد المتتاليات (Combinatoire additive des suites)

تستند إلى هذه النظريات اليوم تطبيقات في مجالات المعلوماتية، الكهرباء، والفضاء.

■ بصمته على جائزة “نوبل الرياضيات”

إحدى نظرياته طوّرها أحد طلبته اليابانيين، وحصل بفضلها على ميدالية فيلدز (Médaille Fields)، وهي أرفع جائزة في الرياضيات وتُوازي “نوبل”.

وفاء للوطن ورفض للتنازلات

رغم كل الإغراءات، رفض ولد حامد الجنسية الفرنسية كما رفض العمل الدائم في الولايات المتحدة، مفضّلاً أن يبقى محتفظاً بجنسيته الموريتانية وهويته الأصلية، حتى وإن عاش بعيداً عن وطنه الأم.

■درس للأمة

رحل الدكتور يحيى ولد حامد، لكن إرثه يظل شاهداً على مأساة العقل العربي الذي يُهمّشه أهله ويحتفي به الغرب. لو لم تكبح الأنظمة القمعية والجهل المجتمعي طاقات العلماء العرب والمسلمين، لكان لهم اليوم الصدارة في ميادين العلوم والتقنية.

لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لهذه القامات، فالأمم لا تُبنى إلا بعقولها، ومجد العرب لن يستعاد إلا إذا احتضنوا علمهم وأكرموا علماؤهم، بدل أن يتركوهم يرحلون في صمت كما رحل يحيى ولد حامد.

زر الذهاب إلى الأعلى