موريتانيا ضحية تعاظم الفساد
يعتبر الفساد في موريتانيا تحديا كبيرا يواجه نمو وتقدم البلد خصوصا في العهد الحالي ، ويحجم الرئيس غزواني عن معاقبة المفسدين! وذالك ما شجع علي انتشار هذه الظاهرة الخطيرة .
فيما يلي تحقيق استقصائي أولي، يجمع ما توفر من معلومات رسمية وتقارير بحثية عن القروض والتمويلات الدولية المعلقة أو المشروطة والربط بينها بمكافحة الفساد في موريتانيا، مع تقييم لمدى تنفيذ هذه الشروط، والنقاط التي ما زالت غامضة.
1. المصادر الرئيسة التي تربط التمويل الدولي بمكافحة الفساد
أ. مؤسسات النقد الدولية (IMF)
توصلت موريتانيا إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي في 9 مايو 2025 لمراجعة رابعة لبرنامجها الاقتصادي المدعوم من التسهيل الموسع (EFF/ECF) والثالث لمرفق المرونة والاستدامة (RSF).
في هذا الاتفاق، من الشروط التي أُعلِنَت: تنفيذ خطة الحكم الرشيد الوطنية والإجراءات المتعلقة بالحوكمة، بما فيها الشفافية والمساءلة.
ب. البنك الدولي
في مارس 2024، وافق البنك الدولي على عملية تمويل سياسة تطويرية (“Development Policy Financing – DPF”) لموريتانيا بقيمة 48 مليون دولار، مع جزء منها مرتبط بخطة حكومية تشمل تحسين إدارة المالية العامة وإدارة الدَّين وغيرها من الإصلاحات المالية والإدارية.
كذلك، في يونيو 2025، وافق البنك الدولي على تمويل بـ 50 مليون دولار لدعم كفاءة الإنفاق العام وتعزيز تقديم الخدمات في القطاعات الاجتماعية، ضمن برنامج الإصلاح المالي والإداري.
ج. الاتحاد الأوروبي وبرامج مكافحة الفساد
مكتب مكافحة الاحتيال الأوروبي (OLAF) توصّل إلى تحقيق في مشروع بولاية نواكشوط/نواكشبو حول إزالة بقايا حطام السفن (“shipwrecks”) حيث تم اكتشاف خروقات في المناقصات، وتوصية باسترداد نحو 3 ملايين يورو.
هناك تعاون وتدريب مع الإشراف العام للدولة (Inspection Générale d’État) لتعزيز قدرات مكافحة الفساد والغش، بخاصة في عمليات المنافذ الجمركية والمراقبة.
د. القضايا القضائية المحلية
المحاكمة الشهيرة للرئيس الأسبق محمد ولد عبد العزيز: اتُهم بتهمة الفساد، الرشوة، الاستفادة غير المشروعة من الأموال العمومية، وتمت محاكمته.
الحكم الاستئنافي الأخير في مايو 2025 قضى بسجنه لمدة 15 سنة وغرامة 3 ملايين دولار، وتجميد الأصول، وحلّ جمعية “الرحمة” التي كان يديرها ابنه، ومصادرة ممتلكاتها.
هناك أيضاً تقرير اللجنة البرلمانية (CEP) المنشور عام 2020 الذي وثّق عدة قضايا فساد في عهد ولد عبد العزيز، شملت استغلال عائدات النفط، صفقات الأراضي، العقود الحكومية مع شركات أجنبية، تورط أفراد من الأسرة وقريبين من الرئيس.
2. حالات تمويل معلّق أو مشروط بسبب الفساد أو ضعف الحوكمة – مع ما هو معلوم وما ما زال غامضاً
البحث لم يُظهر إلى حد الآن تصريحاً رسمياً واضحاً بأن البنك الدولي أو الاتحاد الأوروبي علّقا بالكامل قروضاً حديثة لموريتانيا بسبب الفساد فقط. لكن ما ظهر:
شروط تمويل جديدة مثل تلك التي في اتفاق IMF، حيث يُشترط تنفيذ إصلاحات في الحوكمة كمقدمات للصرف المستقبلي.
استخدام التقارير القضائية (محكمة الحسابات، التقارير البرلمانية، محاكمة عبد العزيز) كأدلة تُستخدم داخلياً وفي التواصل مع الخارج لإظهار أنه يُجري شيء ما، لكن دون وضوح في التنفيذ الكامل.
في حالة OLAF، توجد توصيات باسترداد أموال وملاحقة جهات فاسدة من الإدارة، وهذا يشكل نوع من المساءلة، لكنه لا يمنع تلقائياً أن يكون هناك رغبة في الإصلاح لأغراض المصداقية الخارجية أكثر منها تغيير جذري في البنية.
3. تقييم التنفيذ: ما الذي تحقق وما الذي لم يتحقّق
ما تم تحقيقه
إدانة رئيس سابق، إصدار أحكام قضائية عليه وتجميد أصوله، ومصادرة ممتلكات له ولعائلته.
تنفيذ بعض الإجراءات التي طالبت بها المؤسسات الدولية، مثل خطط لتحسين المالية العامة، إدارة الدَّين، والإصلاحات في الإنفاق العام.
ازدياد التعاون مع هيئات أوروبية مثل OLAF، وتدريب للمسؤولين الموريتانيين في مجال مكافحة الفساد.
ما بقي غير محقق أو مشكوك فيه
لم يُعرف أن هناك محاكمات علنية شاملة لجميع الأسماء التي وردت في تقارير محكمة الحسابات أو التقرير البرلماني CEP، خصوصاً أولئك غير المقربين من السلطة.
لم تُسترد كل الأموال التي وردت أنها منهوبة. بعض الأصول جمّدت، لكن حجم الاسترداد الفعلي والشفافي لا يزال غير واضح في التقارير المتاحة للعامة.
لا توجد مؤشرات واضحة على أن كل الجداول الزمنية والمواعيد المنصوص عليها في برامج التمويل الدولي قد نُفذت بدقة، أو أن الشروط الداخلية للحوكمة قد تتجاوز الشكل والظهور الإعلامي.
يظل السؤال مطروحاً حول استقلالية القضاء، والتساهل أو التأخير في ملاحقة بعض المسؤولين، وكذلك مدى شفافية إجراءات التحقيقات والمحاسبة.
4. بعض الأرقام والمقارنات
العنصر الرقم / المعلومة
عائدات متهم مزعومة لرئيس سابق (عبد العزيز) حوالي 70-72 مليون دولار من مزاعم انتفاع واستغلال وممتلكات غير مبررٍ وجودها.
مبلغ تمويل البنك الدولي في مشروع تحسين كفاءة الإنفاق 50 مليون دولار في يونيو 2025.
مبلغ توصية OLAF لاسترداد الأموال في قضية الحطام البحري حوالي 3-4 ملايين يورو.
حجم الاتفاق مع IMF في مراجعة الصندوق والمرفق مئات الملايين من العملات الخاصة بالصندوق؛ إشارة إلى أن البرامج الاقتصادية مرتبطة بشروط الحوكمة.
5. الخلاصة والتحليل النقدي
رسالة موجهة للخارج: هناك ما يدعم القول بأن أجزاء كبيرة من هذه الخطوات — سواء التقرير، أو العقوبات ضد الرئيس السابق، أو الشروط في الاتفاقات المالية الدولية — تُستخدم لتوليد صورة للمجتمع الدولي أن موريتانيا “تفعل شيئاً”.
فجوة بين التقرير والتنفيذ: كثير من الإصلاحات الشكلية موجودة، لكن التنفيذ الكامل، الاستمرارية، الشفافية في جميع المستويات، والمحاسبة الفعالة ما زالت غير كافية.
التحديات الداخلية: منها ضعف الإعلام والمجتمع المدني في الحصول على معلومات دقيقة، بطء القضاء، تحوّل بعض المسؤوليين بين مناصب رغم الاتهامات، وصفقات مالية لا تزال تخضع للضبابية.
تحقيق :
محمدعبدالرحمن ول عبدالله
كاتب صحفي ، انواكشوط