من حفلة التمويل إلى حفرة النهاية:

محمد عبد الرحمن ولد عبد الله
كاتب صحفي، انواكشوط
في لحظةٍ من وهم القوة والدهاء، ظنّ العقيد معمر القذافي أنّ المال قادر على شراء الولاءات الكبرى، وأنّ ملايين الدولارات التي ضخّها في الحملة الانتخابية لنيكولا ساركوزي كفيلةٌ بأن تفتح له بوابة النفوذ داخل قصر الإليزيه، وتمنحه “ظهراً غربياً” يستند إليه في لحظة الشدّة.
لكنّ المفارقة المدوية أنّ ساركوزي، بعد أن جلس على كرسي الرئاسة، لم يكتفِ بالتنكر لصديقه الممول، بل كان أول من وقّع على قرار قصف ليبيا، إيذاناً ببدء حربٍ مزّقت جغرافيا البلاد، ونسفت مؤسساتها، وحوّلتها من دولة مهابة إلى ساحة تتناوب عليها المليشيات والفوضى.
القصة لا تتعلق بشخص القذافي وحده، بل تختصر مأساة عقل عربيٍّ حاكمٍ لا يزال يعتقد أن بإمكانه شراء السياسات الغربية بالهدايا والهبات.
فالواقع أن الغرب لا يُشترى ولاؤه، لأن قراراته لا تُدار من غرف الرؤساء، بل من مؤسساتٍ عميقةٍ تتحرك بمنطق المصالح لا بمنطق العواطف.
الرئيس هناك مجرد ترسٍ في آلةٍ ضخمة، لا تحرّكها المجاملات، بل تشغّلها المعادلات الاقتصادية والاستراتيجية.
والأدهى من ذلك أن الغرب لا يرى في الأنظمة العربية حليفاً أو شريكاً، بل ينظر إليها باعتبارها:
خزائن مفتوحة للمال،
وأسواقاً لتصريف السلاح،
ومختبراً لتجريب الفوضى وإعادة هندسة الخرائط.
وهذه النظرة لم تنشأ صدفة، بل كانت النتيجة الطبيعية لأنظمةٍ فقدت بوصلة الإيمان، وتعلّقت بالأوثان السياسية الجديدة في باريس وواشنطن وتل أبيب.
أنظمةٌ عبدت الكرسي، وقدّست الطاغوت الغربي، واعتقدت أن الحماية تُشترى من الخارج، لا تُبنى من الداخل.
ولأن السنن لا تحابي أحداً، كانت النهاية مأساوية:
قُتل القذافي في حفرةٍ ضيقة، في مشهدٍ يلخّص عقوداً من الغرور والارتهان، بينما تحوّلت ليبيا — ذات يومٍ دولةً غنية مهابة — إلى صحراء يعبث بها الجميع.
إنها قصة سقوطٍ لم تكتبها الحرب وحدها، بل كتبها الوهم السياسي الذي جعل الطغاة يثقون بالغرب أكثر مما يثقون بشعوبهم، ويستجدون الشرعية من الخارج، بينما كانوا يفقدونها في الداخل يوماً بعد يوم.







