ثقافة

حين يهاجر الضوء نحو الصحراء!

محمد عبد الرحمن ولد عبد الله

– كاتب صحفي، نواكشوط

في وقتٍ تتزاحم فيه طوابير الموريتانيين على مكاتب الهجرة والسفارات، حاملين أحلامهم نحو “الضفة الأخرى”، اختار مصوّرٌ إيطالي شهير الاتجاه المعاكس تمامًا. ترك خلفه أضواء الموضة في ميلانو وباريس، وضجيج الكاميرات في شوارع نيويورك، ليقيم اليوم على تخوم الصحراء الموريتانية، حيث السكون لغة، والنور لا يحتاج إلى عدسةٍ لتجميله.

قد يبدو الأمر للوهلة الأولى نوعًا من الجنون أو الغرابة: ما الذي يدفع رجلًا عاش بين نجمات السينما ومجلات الأزياء إلى الاستقرار في بلدٍ يحلم أبناؤه بالرحيل منه؟
لكن الحقيقة أعمق من المفارقة. فالمصوّر الإيطالي لم يأتِ بحثًا عن مغامرة جغرافية، بل عن مغزى روحي. جاء هاربًا من المدن المتخمة بالسرعة، المرهقة بالضجيج، إلى فضاءٍ يسمح له بأن يرى النور كما هو: نقيًا، حرًّا، بلا فلاتر ولا ضوضاء.

في موريتانيا، اكتشف الرجل أن الصمت أصدق من أي ضوءٍ صناعي، وأن وجوه الناس هنا تحمل بساطة الصورة الأولى قبل أن تفسدها التجميلات الرقمية.
بالنسبة إليه، لم تكن الصحراء منفى، بل ملاذًا من فائض العالم؛ عالمٍ أرهقته الكثرة وفقد المعنى. هنا، حيث الوقت لا يُقاس بالساعات الذكية، بل بإيقاع الشمس وظلالها، وجد ما كان يبحث عنه: الطمأنينة والصدق.

● المفارقة مدهشة بحق:
الموريتاني يرى في أوروبا خلاصًا من شظف العيش، بينما يرى الأوروبي في موريتانيا خلاصًا من شظف الروح.
إنها معادلة مقلوبة، لكنها عميقة في معناها الإنساني؛ فكلٌّ منّا يسعى نحو ضوءٍ ما، لكن قليلين هم من يميزون بين الضوء الذي يبهِر والضوء الذي يُريح.

ربما لهذا السبب، حين هاجر الإيطالي إلى الصحراء، لم يكن يهرب من العالم… بل كان يعود إلى ذاته.
وهكذا، تصبح موريتانيا – في عيون من يعرف كيف يرى – قصيدة ضوءٍ هادئ بعد تعب المدن الصاخبة.

زر الذهاب إلى الأعلى